ملاحظات حول مسودة البيان الوزاري
بيروت في 4 شباط 2020
أثار تكليف الدكتور حسان دياب رئيساً
للحكومة، لغطاً حول مدى إستقلاليته وقدرته على إدارة البلاد في ظل الازمة السياسية
التي تعصف بها والتعامل مع انعكاساتها الخطيرة على الاوضاع الاقتصادية والمالية
والاجتماعية. ومن ثم شهدت مفاوضات التأليف التي استمرت خمسة أسابيع تجاذبات حول
المحاصصة والتي مارسها اقطاب السلطة وكأن شيئا لم يحدث. وبنتيجة المحاصصة الحزبية
والمذهبية وُلدت حكومة من أفراد يمثلون الأطراف الأصليون ويأتمرون بهم في حين بقوا
هم خلف الستارة.
مطالب الثورة التي مرّ على اندلاعها
نيّف ومئة بتشكيل حكومة من سياسيين مستقلّين عن أحزاب المحاصصة الحزبية والمذهبية وخبراء
في مجالاتهم لمعالجة أسباب الأزمة التي تسببت فيها الطبقة الحاكمة بمختلف مكوناتها
وليس فقط التعامل مع نتائجها.
لقد تسرّبت منذ أيام مسودة البيان
الوزاري الذي تزمع الحكومة تقديمه الى البرلمان لأخذ الثقة على أساسه، وبناء عليه تُسجل
بعض الملاحظات التالية:
- لا تستجسب المسودة لمتطلبات
معالجة الازمة الشاملة التي يعيشها لبنان، ولا تستجيب لمطالب الثورة. وهي في
مجملها صياغات انشائية عامة، لا تتضمن التزامات محددة مجدولة زمنيا لمعالجة
الازمة، ولا تتناسب مع كون هذه الحكومة هي بالمبدأ حكومة انتقالية مهمتها
الرئيسية اخراج لبنان من الازمة بشكل سريع جدا.
- ويأتي البيان في اعقاب ثورة غير
مسبوقة في لبنان أسقطت الحكومة السابقة بسبب فشل أدائها الاقتصادي والاجتماعي
وهو يكرر السياسات ذاتها من خلال الالتزام ببرامج سيدر وورقة ماكنزي والورقة
الإصلاحية التي رفضتها الثورة فور إعلانها من قبل الرئيس السابق. وتتمحور
الأوراق حول الاستمرار في النهج الذي يهدف إلى تأمين التمويل من خلال
الاستدانة والاستثمارات الخارجية والشراكة مع القطاع الخاص في حين أن العنوان
الاقتصادي المقترح هو التحول من الطبيعة الريعية للاقتصاد نحو اقتصاد انتاجي.
أما فالخوض في نفس السياسات لن يؤدي سوى الى النتائج ذاتها ولا سيما لجهة
مأزق الدين العام. إن التغيير الهيكلي في الاقتصاد يتطلب وضع خطة جديدة متكاملة
شاملة بدل الاعتماد على أوراق خلفيتها وأهدافها لا تلتزم تغيير النموذج
الاقتصادي.
- على الرغم من الكلام الانشائي عن
مصارحة اللبنانيين وعن وجود ازمة شاملة ومصيرية كما جاء في البيان، فإن
البيان يعدد أوجه الازمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمعيشية والبيئية،
الا انه يتجاهل بالكامل الازمة السياسية والمؤسسية التي هي الأكثر أهمية،
والتي هي من مسببات الازمات الأخرى او العجز عن معالجتها. كما ان البيان
يتجاهل بالكامل ايضا البعد الثقافي والسلوكي للأزمة، التي يتمثل في ثقافة
الفساد والمحاصصة والسعي الى الريع والخروج على القانون...الخ، وكل أنواع
السلوكيات التي ترافق الازمة وتتسبب في تفاقمها، والتي تتطلب التصدي لها. ان
هذا الاغفال المقصود لهذين البعدين، يوحيان بان الحكومة ترغب في تجنب الكأس
المر للإصلاح السياسي والمؤسسي الذي يعتبر مدخلا الزاميا لأي اصلاح في أي
مجال اخر.
- ان تضمين البيان الوزارة خطة عمل
وجدول زمني على ثلاث سنوات هي مسألة تخالف خلفية الحكومة فنحن ازاء حكومة
ازمة يفترض ان تكون انتقالية، اي ان تركز على برنامج إنقاذي في عدد محدود من
النقاط لا غير، كما سبق للثورة ان طالبت بذلك، اي معالجة الازمة المالية الحادة،
واقرار قانون انتخابات عادل ومع هيئة مستقلة، واجراء انتخابات مبكرة، واتخاذ
إجراءات محددة في ما يتعلق بالإصلاح ووقف الهدر واستعادة الأموال المنهوبة
والقضاء المستقل….
- على بيان الحكومة أن يكون واضحا
ومحددا جدا في التزاماته، مع جدول زمني، وهو ما لا يتضمنه البيان الوزاري
الحالي، في حين انه اطنب في كلام عام وغير محدد عن خطوات مستقبلية وبما
يوحي بانها حكومة عادية ومستمرة لسنوات…. أما ما نحتاج إليه هو بيان وزارة من
نوع مختلف تماما عن هذا: بيان قصير، يحدد أسباب الازمة والمسؤوليات اذا امكن،
مع جدول اعمال محدد بدقة واجراءات ملموسة، لا اكثر، يصلح لحكومة انتقالية او
حكومة ازمة.
- نحن بصدد بيان وزاري، كعادة
البيانات الحكومية في لبنان، كلام على ورق. وفي كل الاحوال البيان الوزاري
الحقيقي للحكومة الحالية هو موازنة 2020 التي تم اقرارها مؤخرا بمجلس النواب،
والتي وافق رئيس الحكومة عليها باسم الحكومة مجتمعة. الموازنة هي البيان
الوزارة الفعلي الذي سوف ينفذ، والبيان الوزاري المسرب هو كلام نظري.
وبالتالي علينا ان نحكم على الحكومة من خلال آلية إقرار الموازنة وموافقتها
عليها في جلسة غير دستورية، وايضا قراءة وتفسير بعض ما جاء في البيان الوزاري
بالتلازم مع ذلك، ومع ما ينشر من إجراءات تتعلق بالقطاع المصرفي كل
يوم.
- البيان لم يتضمن أي خطة فعلية
للخروج من الازمة المالية تحديدا، ولا في ما يتعلق بالعلاقة مع المصارف وحل
ازمة السيولة. الكلام هنا عام، ومنحاز لصالح من تسبب بالازمة، كما ان البيان
الوزاري يكتفي بان الإجراءات المطلوبة سوف تكون "موجعة" دون ان
يوضح مضمونها ودون ان يقول اذا ما كانت هذه الإجراءات عادلة مثلا. كما انه
يقول ان الحكومة سوف تنفرد في تحديد هذه الإجراءات (وهي ستقوم بها فعليا
بالشراكة مع القطاع المصرفي وحاكم مصرف لبنان)، وبالتالي دون مشاركة
المواطنين ويتم التعامل معهم كأنهم قاصرون وانهم سوف يكتشفون في المستقل انها
كان في صالحهم، وهذا منطق ابوي فوقي مرفوض تماما.
- يزعم البيان ان الوزيرات
والوزراء قد قاموا بوضع خطط ومشاريع وإجراءات عاجلة لوزاراتهم، ولكن متى أتيح
لهن ولهم الوقت لذلك؟ ومعظمهم من الوافدين الجدد الى العمل السياسي والحكومي،
إضافة الى استلامهم وزارات في غير اخصاصهم. ان هذه الكلام يفتقد الى الجدية
ولا يوحي بالثقة، لاسيما ان موازنات الوزارات قد اقرت مع موازنة 2020 التي لم
يساهموا في وضعها ولم يحضروا جلسة إقرارها حتى، فإي خطط وإجراءات سوف تنفذ هل
هي خططهم ام بنود الموازنة.
في الشأن الاجتماعي
- ما هو مقترح في المجال الاجتماعي
يعيد السياسات نفسها لا بل يزيد من ثغراتها. ففي حين يجري حاليا على عمل وضع
خطة وطنية للحماية الاجتماعية يراد توسيع نطاق برنامج الاسر الأشد فقرا دون
الاخذ بعين الاعتبار الممارسة السابقة والتقييم الذي اظهر ثغرات هيكلية فيه.
وبدل البدء الفوري بتعزيز التعليم الرسمي ونوعيته والتنفيذ الفعلي لمجانية
التعليم يراد تقديم منح دراسية. كما لا توجد أي إشارة الى تجميد أقساط
المدارسة الخاصة او أي معالجة لهذه المشكلة. وكذلك الامر بالنسبة الى قطاع
السكن، حيث المشكلات مركبة (ركود مع أسعار مترفعة ونسبة شغور كبيرة) وتكرار
لسياسات لم تنفع في السابق في ظل أزمات مالية ومصرفية اكثر حدة، من خلال
الاقتصار على زيادة قروض الإسكان، بدل البحث في خفض كلفة السكن ومراجعة قانون
الإيجارات، ووقف الدعم لأسعار العقارات الناجم عن التزاوج بينه وبين القطاع
المصرفي. كما يشير البيان الى وجوب منح المرأة حق منح الجنسية لأولادها مع
"مراقبة تطبيق هذا الحق نظرا لظروف لبنان الخاصة" - ما يعني بأننا
بصدد الصيغة المواربة للتمييز بين الجنسيات، وبالتالي فان المقاربة ليست
حقوقية بل تتيح المجال امام التمييز.
في الشأن الإقتصادي
- يقترح البيان الوزاري التفاوض مع
المصارف للتوصل إلى مقترحات لتخفيض الدين العام واتخاذ التدابير التي تحميها
من الأحكام القضائية التي قد تتعرض لها نتيجة شكاوى المواطنين
- يتضمن اقتراحا ايجابيا يدعو الى
الإصلاح الضريبي من خلال اعتماد الضريبة التصاعدية من دون إشارة إلى زيادة
الضريبة على القيمة المضافة
- يشير البيان الى ضرورة المحافظة
على سلامة النقد من دون الاشارة الى كيفية القيام بذلك، هل يفترض ذلك تثيته
على سعر الصرف الحالي أو على سعر صرف آخر يقي
- يشير البيان الى محاربة الاحتكار
بكافة اشكاله والتهرب الجمركي والضريبي
- ويتضمن إشارة إلى اقتراح قوانين
لاستقلالية القضاء ومحاربة الفساد
- ولكنه يقترح العودة إلى
مشروع سيدر وخطة الحكومة الإصلاحية التي رفضتها الثورة وماك كينزي وهي
عناوين تعيد عقارب الساعة إلى الوراء
في السياسة الخارجية
واللاجئين
- جاءت سياسة لبنان الخارجية في
البيان الوزاري كاداة لتجنيد الأموال ولا تتضمن أي رؤية سياسية لإعادة ترميم
علاقات لبنان المهشمة مع الخارج لاسيما الدول العربية
- في الإشارة إلى اللاجئين
(نازحين) السوريين يتحدث البيان عن العودة الآمنة من دون الإشارة إلى الطوعية
وهي أساسية في القانون الدولي الذي يحتكم إليه البيان
- يعود البيان إلى المبادرة
الروسية حول عودة النازحين علما انها ولدت ميتة ولا احد يذكرها الا لبنان
لأنها مبادرة لطلب التمويل فقط من دون أي التزام جدي
- الإشارة إلى بيان رئاسة
الجمهورية بسحب موضوع النازحين من التداول السياسي ووضعه عندها بعهدة رئيس
الجمهورية
البيان بالسياسة والاقتصاد والاجتماع
لا يستجيب إلى مطالب الثورة وهو مناورة أهل السلطة لإضاعة الوقت وتحّين الفرص للإنقضاض
مجدداً، لذلك يجب منع منظومة السلطة من العودة ولن يكون ذلك ممكناً إلا بالعودة
إلى العناوين الأساسية التي قامت على أساسها الثورة في الاسابيع الاولى أي إستهداف
نظام المحاصصة الحزبية والمذهبية وعدم التركيز فقط على أصحاب المصارف وحاكم مصرف
لبنان او بأمور أخرى مهمة بلا شك ولكنها ليست الأساسية في هذا الصراع.
Comments
Post a Comment