نحو تجديد نبض الثورة (رسالة راس السنة 2020)


شكلت ثورة 17 تشرين اول منعطفا تاريخيا ستبقى تداعياته راسخة في مستقبل لبنان. تميزت هذه الثورة بلامركزية ساهمت بانتشارها على رقعة الوطن متجاوزرة الحواجز المناطقية والمذهبية والسياسية واضفت صورة مختلفة عن لبنان المنهك والمفتت والذي يعاني من ازمة اقتصادية خانقة. ثورة حظيت بدعم 93% من اللبنانيين فور انطلاقتها وتستمر في وجدان 67% منهم بعد مرور شهرين ونصف (حسب احصاءات ستات ايبسوس الاخيرة).
إن التحركات الموضعية التي تستهدف بعض فروع لبعض المصارف والتركيز على بعض الوزراء الفاسدين للاحتجاج أمام منازلهم هو تعبير عن غضب الشارع المفجوع بالمصارف ودورها اولا والسياسيين الذين اوصلوا البلاد إلى الانهيار ثانيا
لكن ذلك لا يحول دون الاستمرار بطرح القضايا السياسية الاساسية والأشمل، وبشكل خاص حول طبيعة النظام السياسي القائم على الطائفية والذي يعزز المحاصصة ويحمي الفساد، وعلى ضرورة استكمال قوانين استقلالية القضاء ومكافحة الفساد واعادة بناء السلطة من خلال انتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي جديد.
كما أن الإستمرار بتجاهل مخاطر الدولة الأمنية والإقتصادية الموازية التي تدعم حزب الله بالإضافة إلى الثقافة الجديدة التي يروج لها تقدس الاستبداد وعبادة الفرد ولن تساعد في تغيير الأوضاع خاصة أن دور الحزب اليوم اصبح حماية النظام السياسي الذي يقوم على المحاصصة المذهبية المولدة للفساد وحماية الفاسدين انفسهم، هذا علما ان التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية هو من أبواب الهدر الأساسية التي تخسّر الاقتصاد اللبناني المبالغ الطائلة سنويا ومعظمها تحت اشراف حزب الله
إن العقلية التي تشكل الحكومة اليوم لم تتغير بالممارسة وكأن الإدارة السياسية لم تستوعب حجم التغيير الذي طرأ على المشهد السياسي منذ 17 تشرين كما انها لم تدرك عمق الأزمة التي يعيشها لبنان. هذه مكابرة ستؤدي إلى الانهيار اذا لم تتوقف عند حدها. بالإضافة الى ذلك، تستمر سياسات المحاصصة وكأن شيئا لم يتغير ان لجهة الورقة الاصلاحية التي اقترحها الرئيس المستقيل سعد الحريري وتبنتها جهات سياسية كثيرة في السلطة؛ ومناقصة البنزين أو محاولات وزير الإتصالات تجديد العقد مع شركتي الخلوي أو لجهة مناقشات لجنة المال والموازنة حول موازنة 2020 وآخر الامور كان خبر تحويل 6.5 مليار دولار الى المصارف السويسرية من قبل 9 سياسيين (المصادر السويسرية تحدثت عن 2مليارين وهي تحقق بذلك) ليتبين ان المبالغ تفوق ذلك منذ أيلول وان تدابير المصارف بالتنسيق مع المصرف المركزي تطبق على المواطنين وصغار المودعين فقط ولا تطال رجالات السياسة وكبار المودعين.
المطلوب من الثورة أن تتبلور رؤية سياسية واقتصادية شاملة تقترح آليات الانتقال إلى الدولة المدنية وفصل السلطات واستقلالية القضاء وتعزيز آليات المساءلة والمحاسبة وتقترح سبل إصلاح الاقتصاد وتعزيز العدالة الاجتماعية  فتساهم في إطلاق حوار وطني هادف وتوسيعه الى كافة المناطق اللبنانية كما ويطال اللبنانيين في الاغتراب وقد ساهموا بدعم الثورة. تهدف الرؤية الى توجيه الاصلاحات الضرورية واعلاء المصالح الوطنية فوق كل اعتبار
الثورة مستمرة
وكل عام وانتم بخير على أمل ان يشهد العام الجديد إنتصار الثورة وينتقل بلبنان الى واقع أفضل

Comments

Popular posts from this blog

صحيفة العرب القطرية - اقتصاد :: شبكة المنظمات العربية تسعى لتعزيز الشفافية

المنطقة العربية: تحديات تتعاظم وتجاوب القيادة الرسمية لا يرتقي الى المستوى