انتخابات لبنان النيابية2018: هل سيتمكن المجلس الدستوري من ترميم ما افسدته السياسة
نُظّمت الانتخابات النيابية في ٦ أيار ٢٠١٨ أي بعد ٩ سنوات من الانتظار وبتأخير دام خمس
سنوات عن موعدها الدستوري. وقد مدّد مجلس النواب لنفسه ثلاث مرّات متتالية، عن
طريق تعديل المهل الواردة في قانون الانتخابات ٢٥/٢٠٠٨. جاء التمديد الأول في ٣١ ايار ٢٠١٣ "تداركا لعدم الوقوع في حرب أهلية[1]" وفق الاسباب الموجبة التي
وردت في مشروع القانون الذي تقدم به النائب نقولا فتوش ولمدة سنة وخمسة أشهر. تقدم
عشرة نواب بطعن أمام المجلس الدستوري الذي لم يتمكن من الاجتماع في نصاب قانوني
للنظر فيه. علماً أن النصاب القانوني هو الثلثين أي ثمانية اعضاء من أصل عشرة، تغيّب
العضوين الشيعيين والعضو الدرزي تكراراً الى أن انقضت المهلة الدستورية للنظر
بالطعون فتعذر عليه البت ما جعل التمديدَ أمراً واقعاً[2].
أقر التمديد الثاني
في ٥ تشرين الثاني و"لاسباب قاهرة" لمدة سنتين وسبعة أشهر. تمكّن المجلس
الدستوري هذه المرّة من دراسة الطعن الذي تقدم به عشرة نواب، فجاء في قراره أن
التمديد غير دستوري عائداً ذلك الى "انتفاء الاسباب القاهرة" التي
تستدعي التمديد، وبالتالي فانه رأى أن التمديد ينتهك المعايير الدولية لحقوق
الانسان التي تتحدث عن المشاركة السياسية للمواطنين كما أنه ينتهك الدستور كون "الظروف
غير قاهرة وليست استثنائية". إلا أن قرار الدستوري سجل مفارقة عندما اعتبر أن
التمديد بات أمراً واقعاً، وقد جاء في النص: "ومنعاً لحدوث فراغ في مجلس النواب وقطع الطريق بالتالي على انتخاب
رئيس للجمهورية، يعتبر التمديد أمراً واقعاً." اذن بحسب المجلس الدستوري فان قانون التمديد غير دستوري وبالتالي يمكن
اعتبار ان المجلس الممدّد له غير شرعي.
جاء التمديد
الثالث لمدة ١١ شهراً تنتهي في٢٠ أيار٢٠١٨ على أثر إقرار قانون الانتخابات
الجديد رقم ٢٠١٧/٤٤ حيث اصبح "التمديد امراً واقعاً" كون القانون يحتاج
الى مهلة إدارية كافية لاستكمال التحضيرات لاسيما إعداد البطاقة البيومترية. إذن
لا يمكن التغاضي عن ثغرة قانونية خطيرة تتمثل في عدم انجاز البطاقات الممغنطة خاصة أنها كانت السبب المباشر لتبرير
تأجيل الانتخابات ثمانية أشهر أي تمديد ولاية مجلس النواب للمرة الثالثة على
التوالي "كأمر واقع"[3].
أقرّ اقتراح
قانون الانتخابات في غرفة مغلقة بين أربعة شخصيات يمثلون أربعة أطراف مشاركة في
السلطة، ومن ثم تم التفاوض مع الاطراف الاخرى في السلطة على توزيع الدوائر ليتم تفصيلها
على قياس جميع من هم في السلطة بما يضمن إعادة انتاج المشهد السياسي نفسه. وأحيل
بعدها المشروع الى مجلس النواب حيث أقر بمادة وحيدة. وهو يتضمن ثغرات كبيرة أصابت ديمقراطية
الانتخابات في الصميم. فصيغة النظام النسبي تعطلت في ظل الكوتا المذهبية
والجغرافية معطوفاً على الخلل في توزيع الدوائر ورفع مستوى العتبة التي تراوحت بين ٧ و٢٠% حسب الدوائر والصوت التفضيلي الواحد في القوائم المغلقة. أثّرت هذه المسائل
على ثقة المواطنين ما انعكس لاحقاً في نسب المشاركة المتدنية رغم التوقعات بان النسبية
تحفّز المواطنين على المشاركة.
لم يوفر القانون
حياد السلطة عندما تجاهل اعتماد الهيئة المستقلة التي تنظم الانتخابات برمتها ولا
يقتصر دورها على الاشراف على الاعلام والدعاية والانفاق. وكان بالامكان الاستعاضة
عن الهيئة المستقلة بتشكيل حكومة مستقلة من غير المرشحين تضمن حيادها. الا أن ما
جرى هو عكس ذلك تماماً حيث ان الحكومة التي نظمت الانتخابات تقدّم١٧ وزيراً من
اعضائها بترشيحاتهم من بينهم وزراء نافذين ومسؤولين مباشرة عن الانتخابات.
وادى التغاضي
عن البطاقات الممغنطة الى عدم إنشاء المراكز الكبرى لاتاحة امكانية الاقتراع مكان
السكن وليس فقط في محل الاقامة، ما يخفّض تكاليف الانتقال ويساهم في تعزيز سريّة
الاقتراع. ونظراً لكون القانون يتضمن آليات تطبّق لاول مرة على رأسها اعتماد
القسيمة المطبوعة سلفا والانتخابات في الخارج لغير المقيمين فقد أظهرت هيئات الاقلام
ولجان القيد ولجان القيد العليا عدم الجهوزية الكافية لتلافي الثغرات الادارية
واللوجستية الجسيمة التي حصلت.
فقد سُجل عدد
كبير من المخالفات من قبل ماكينات المرشحين والجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات،
من بينها استغلال مادة في القانون تسمح للمرافقين الدخول مع المسنين وذوي
الاحتياجات الخاصة والاعاقة والاميين وراء العازل للمساعدة في عملية الاقتراع،
فتحولت هذه المادة الى مبرّر لمرافقة المقترعين بكثافة لافتة. كما تم منع مندوبي
بعض القوائم في أكثر من مركز من التواجد في الاقلام من قبل رؤساء هيئات القلم. كما
سجل في دائرة الشمال الثانية إختلافٌ في عدد الناخبين بين لجان القيد ووزارة
الداخلية حيث جاء الفارق ليزيد عن الـ٦٦ الفا بعد أن جاءت نسبة الاقتراع في
الداخلية ٥٢% في حين ان هذه النسبة في الماكينات التي تابعت الفرز في لجان القيد
جاءت ٣٨%[4]. وسجلت
حالات عدم ورود اصوات المرشحين في الصناديق التي اقترعوا بها. كما لوحظ وصول بعض صناديق
الاقتراع الى لجان القيد العليا غير مختومة بالشمع الاحمر بالاضافة الى وجود ملفات
في مستوعبات للنفايات خارج اللجان في حين أُستبدلت بملفات كانت معدّة سلفاً لهذه
الغاية. ووجدت صناديق جديدة وفقدت صناديق أخرى. كما جرى تصفير صناديق جاءت من
الخارج باعداد كبيرة ما قلّص نتيجة انتخابات غير المقيمين.
وجرى تمديد
الاقتراع لما بعد الساعة السابعة مساء خلافاً لما ورد في القانون ما زاد عدد المقترعين
في دوائر بعينها بعد انتهاء العملية الانتخابية ما أثّر على النتائج. كما واجه رؤساء
الاقلام صعوبة في احتساب الاصوات بعد إلغاء قسائم الاقتراع حيث سجّل الغاء ما
يوازي الـ٣٨ الف قسيمة
ونتيجة لهذا
الواقع تقدم مرشحون خاسرون بـ١٧ طعناً[5] أمام المجلس
الدستوري في معظم الدوائر شملت الطعن بنتائج٤٠ نائباً فائزاً[6].
يعتمد القانون
الراهن نظام القوائم لذا تغيّرت اصول التقدم بالطعون. حيث ان المرشّح الخاسر كان هو
صاحب الحق الحصري بالطعن في نيابة المرشّح الناجح على نفس المقعد في الدائرة ذاتها
في مهلة ثلاثين يوماً بعد اعلان النتائج، أما حالياً فيطعن الخاسرون بنتائج المرشحين
على واحدة أو أكثر من القوائم المنافسة في نفس الدائرة وليس بالضرورة على نفس
المقعد. ويُتَوقّع بان تعتري النظر بالطعون بعض الصعوبات كونه يحصل لاول مرة وفق
هذا القانون حيث اضيفت بعض التفاصيل التي لا يلحظُها نظام المجلس الدستوري.[7]
وصرّح رئيس
المجلس الدستوري في مؤتمر صحفي غداة اقفال باب التقدم بالطعون أن المجلس لن يتباطأ
في إعلان النتيجة كما أنه لن يتسرّع مع تأكيده على أن النيابة مستمرّة الى حين
اتمام المذاكرة واصدار القرار النهائي. وسيقوم بإعادة الاحتساب للتأكد من صحة العدّ،
كما سيطّلع على تقارير هيئة الاشراف وتقارير بعثات المراقبة الدولية والمحلية
للتأكد من صحة النتائج. وهناك ثلاثة احتمالات: إما أن يتم "عدم ابطال النيابة"،
أو يتم ابطالها فتتم الدعوة الى انتخابات فرعية لملء الشواغر او يتم تعيين المرشح
الخاسر الاول. بالخلاصة أكد رئيس المجلس الدستوري انه لن يُقدم على إلغاء نتائج الانتخابات
برمّتها على الرغم من الثغرات القانونية الجسيمة التي تضمنها القانون والممارسة الخاطئة
التي سجلت خلال الحملات الانتخابية وفي يوم الاقتراع واثناء الفرز وعند إعلان
النتائج.
إن أهمية دور
المجلس الدستوري تكمن في صلاحيته النظر بالطعون وفق ما جاء في نظامه الداخلي والتثبت
من صدقية وصحة الانتخابات في الوقت الذي يشكك الكثيرون بنتائجها، ومن شأن ذلك تعزيز
ثقة المواطنين بمعظم مؤسسات الدولة وبدولة القانون نفسها بعد أن اهتزت خلال
السنوات الماضية وجاءت الانتخابات لتقضي على هذه الثقة نهائيا أو تكاد. واللافت
مثلاً هو قرار احد النواب السابقين "بعدم التقدم بالطعن لعدم ثقته بحيادية
المجلس الدستوري." وهناك العديد من المواطنين الذين لا يثقون بمؤسسة القضاء
حيث لم يكن أداء لجان القيد ولجان القيد العليا المؤلفة من قضاة بالاضافة الى هيئة
الاشراف على الانتخابات التي يرأسها قاضٍ مقنعاً بدليل أن معظم الطعون جاءت لتشكك
بالنتائج الصادرة عنها.
فهل سيكون
للمجلس الدستوري الدور في ترميم ثقة المواطنين بالقضاء وبالتالي بدولتهم ومؤسساتها؟
الايام القليلة المقبلة ستشهد على ذلك.
[1] موقع المجلس الدستوري- القرار ٢٠١٤/٧ ، http://www.cc.gov.lb/ar/node/2602
[3] سلوى ابو شقرا، جريدة النهار في١٦ حزيران٢٠١٧: https://www.annahar.com/article/602924-منذ-٢٠٠٩-إلى-٢٠١٧-ما-الأسباب-التي-أفضت-إلى-التمديد-الأول-والثاني-والثالث
أعلن رئيس تحرير صحيفة "اللواء" والمرشّح عن دائرة بيروت الثانية صلاح سلام الرجوع عن الطعن المقدم من قبله شخصياً أمام المجلس الدستوري، على أن يتولى وكيله المحامي الأستاذ سعيد مالك إتمام الإجراءات اللازمة.
ReplyDeleteوأصدر سلام البيان التالي: "بعيداً عن الشوائب والتجاوزات والمخالفات التي اعترت العملية الإنتخابية في بيروت الثانية، والتي كان من شأنها إبطال هذه الإنتخابات، ونظراً للتطورات السياسية الطارئة والمستجدة، وما يرافقها من الحملات الهادفة للنيل من مقام رئاسة الحكومة، وصلاحيات الرئيس المكلف، وتمسكاً من قبلنا بدستور الطائف وبنود وثيقة الوفاق الوطني، سيما ما يخص صلاحيات ومسؤوليات الرئاسة الثالثة، وذلك حرصاً على السلم الأهلي والأمن والإستقرار، وصوناً للصيغة اللبنانية من أي أهتزاز، وتجاوباً مع رغبات ومواقف أهلنا في بيروت، ومساعي الفعاليات البيروتية في الحفاظ على وحدة الكلمة، وتعزيز وحدة الصف في هذه المرحلة الحرجة، وحتى لا تُفسر مراجعتنا القضائية أمام المجلس الدستوري في غير محلها، أُعلن الرجوع عن الطعن المقدم من قبلي شخصياً أمام المجلس الدستوري."