العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة
ملخص
تنفيذي
تبدأ
هذه الورقة بالتعريف بالتنمية المستدامة وفق ما جاء بالاعلان الذي صدر عن
الجمعية العامة للامم المتحدة عام 2015 والذي التزم بالخطة 2030 حول التنمية
المستدامة (تحويل عالمنا)[1]،
ومن ثم تعريف العدالة الاجتماعية الذي يذهب أبعد من مجرد المساواة بين الناس باتجاه
التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع والدولة، على اساس المقاربة الحقوقية
والعادلة.
ثم
تنتقل الى الحديث عن تحديات التنمية المستدامة في ظل النظام العالمي القائم حالياً
حيث تستفحل ظاهرة اللامساواة وتتفاقم الهوة بين الاغنياء والفقراء في الدول
الصناعية كما في الدول النامية، مفسحة المجال امام الازمات المالية والاقتصادية
التي تهدد الاستقرار السياسي والامني. وتشير الى أن بعض الدراسات التحليلية
الصادرة عن مختلف المؤسسات الدولية من رسمية وغير الحكومية وعن خبراء تُجمع على
وجوب إعادة النظر بالنظريات الاقتصادية التي طُبقت منذ ثمانينات القرن الماضي
والتي تعرّف اصطلاحاً بالنيوليبرالية (الريغنية والتاتشرية) والتي أفضت إلى ما عُرف
بـ"توافق واشنطن".
ثم
تنتقل الورقة الى لبنان لتتحدث عن الاختلالات البنيوية التي تؤدي إلى تفاقم
اللامساوة والتي تهدد الاستقرار، وهي مرتبطة أساساً بطبيعة النظام الزبائني الذي
يعزز الطائفية والمحاصصة المذهبية ويعيق بناء الدولة المدنية ويحول دون تطبيق
الشفافية وآليات المساءلة والمحاسبة. وكيف أن السياسات الاقتصادية "الريعية"
والاجتماعية المشوهة تولّد بدورها اللامساوة وتؤدي الى غياب العدالة نتيجة تطابق المصالح بين السياسيين واصحاب رؤوس الاموال.
وتقترح أفكاراً
ربما تشكّل أساساً لبرنامج وطني يُبنى على أساس حوار وطني بين مختلف المكونات
الاجتماعية واصحاب المصلحة (أي بعيداً عن الطائفية). وقد يؤدي هذا الحوار الى صياغة
عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن وبين المواطنين انفسهم.
وتختم بالاشارة الى أن التطبيق المنقوص للميثاق الوطني ومن ثم لإتفاق الطائف
يهدّد الدولة لذلك لا بد من استكمال تطبيق الصيغ التوافقية باتجاه بناء الدولة
المدنية لكل ابنائها
تمهيد
قيل
يوماً عن لبنان وعن حقّ "يا قطعة سما"، حيث كان فعلاً "أخضر
حلو" رغم كل العيوب التي شابته والتي كانت تتفاعل تحت الرماد، فلو تسنّى للحقبة
الشهابية مثلاً أن تستكمل مشروعَها في بناء الدولة المدنية، وتنتقل من حكم
المخابرات الى الدولة الديمقراطية، دولة الحق والمؤسسات، ربما كان لبنان قد تجاوز
المحنة التي ألمّت به ومن ثم تحوّلت الى أزمة فالى حرب أهلية.
الفرصة
الضائعة الثانية هي الامتناع عن تطبيق اتفاق الطائف كما تم التوافق عليه من قبل كل
الاطراف (مع تسجيل غياب بعض المكونات التي لم تكن ممثلة في مجلس النواب آنذاك).
ورغم أن اتفاق الطائف لم يحمل حلاً لارساء السلام في لبنان إلا أنه وضع حداً للحرب
العبثية وللاعمال العسكرية ورسم خارطة طريق من أجل استكمال مشروع بناء السلام،
ولكن ذلك لم يحصل ولا يبدو بان القائمين على القرار اليوم يرغبون بالالتزام به.
أما
اليوم، وبكل أسف لا يشبه لبنان الذي نعيش فيه اليوم ذلك الذي عرفناه وطالما تغنينا
به. إذ لم يسبق أن مرّ بفترة كان الفرز المذهبي فيه الى هذا المستوى من التجاذب
والاستقطاب، وهذا يتعارض أساساً مع المبادئ التي قام عليها وتوافق اللبنانيون بأن
تكون صيغةً لبناء الوطن الذي أرادوه ملاذاً لهم. ولم يمرّ لبنان في مرحلة كان
الفسادُ فيها منتشراً بهذا الشكل المفضوح والذي يخضع كل المجالات بلا استثناء الى
نظام المحاصصة بين ممثلي المذاهب.
وإنطلاقاً
مما سبق، يرى اللبنانيون انسهم مهددين وبالتالي لا خيار أمامهم سوى العمل بصدق من
أجل العودة الى الدولة واحترام مؤسساتها. وبالتالي ما ستقترحه المداخلة لاحقا حول "التنمية
المستدامة والعدالة الاجتماعية" هي مساهة في ايجاد مدخلٍ للخروج من الأزمة
الوجودية وكحلّ لبعض الاختلالات الخطيرة التي تهدد استقرار لبنان وبالتالي
وجوده.
أولا:
في التعريفات
التنمية
المستدامة
هي
عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط ان تلبّي
احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها. أما ففي خطة
عمل 2030 فقد ارتبطت التنمية المستدامة بمحددات خمسة هي: الناس، الازدهار، السلام،
الكوكب والشراكة. وهذه المحددات هي مترابطة وشرطية لكي تتمكن الجهود من تغطية
الابعاد الخمسة للتنمية المستدامة كما حددتها الثيقة الصادرة عن الجمعيى العامة
والتي النزم بها زعماء 194 دولة، والابعاد الخمسة هي: البعد السياسي، والاقتصادي
والاجتماعية والثقافي والبيئي. (من اعلان الجمعية العمومية للامم المتحدة عام 2015
حول التنمية المستدامة)
العدالة
الاجتماعية
هي
المبدأ الأساسي من مباديء التعايش السلمي في الدولة، وتتم عن طريق تحقيق المساواة
بين مختلف السكان المقيمين ولاسيما بين الجنسين، وتعتبر العدالة الاجتماعية تعبيرا
مكثفاً للمقاربة الحقوقية للتنمية حيث انها لا تقتصر على الاعتراف بالحقوق
واحترامها لا بل يجب العمل على تطبيقها، وهي لا تقتصر فقط على الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية لا بل تشمل الحقوق السياسية والمدنية كذلك. بما يؤكد على ان
العدالة الاجتماعية مرتبطة بالحق بالمشاركة السياسية، وبالمكاشفة والمساءلة
والمحاسبة.
يواجه[2]
النظام العالمي ازمة لم يتعاف منها منذ العام 2008، وقد اعتبرها بول كروغمان انها
شبيهة بازمة الركود الكبير (1929) والتي سبقت الحرب العالمية الثانية. ولم تسلم
منها الدول الصناعية لاسيما الولايات المتحدة وأوربا حاملةً معها تحولات اجتماعية
واقتصادية عميقة. وقد أدى تمركز الثروات في أيدي القلّة وتداعي الطبقات الوسطى الى
تنامي الفوارق الاجتماعية بشكلٍ متسارع وتعميق الفجوة بين الاغنياء والفقراء. كما
ادت رسملة الاقتصاد العالمي الى تداعيات خطيرة من بينها تقلص المجال العام
والسياسي للدولة وتمركز الاحتكارات بادي القلة من الشركات متعددة الجنسيات
واستحواذها على القرار السياسي والاقتصادي في الدول الصناعية وفي المؤسسات المالية
الدولية.
ولم تنج الدول النامية من هذه الازمة ولكنها تأثرت بها الى حد
كبير ما تسبب باضطرابات سياسية واجتماعية خطيرة. ويعتقد كثيرون بانها من المسببات
المباشرة لاندلاع الربيع العربي مغيّرة بذلك خارطة القوى السياسية والاجتماعية
والتحالفات الدولية والاقليمية.
وقد صدر عدد من التقارير حول الازمة المالية والمناخية
العالمية عن منظمات دولية في الامم المتحدة (خاصة عن البرنامج الانمائي والانكتاد
والاسكوا) محذرةً من أن ترك الامور من دون معالجة الاسباب بالعمق سيتسبب بالمزيد
من الانهيارات. مشيرة بوضوح الى الخلل الهيكلي بالاقتصاد وسيطرة العولمة المالية
عليه. وحتى المؤسسات المالية الدولية، والتي تدافع عادة عن النظام القائم، بدات تشير
الى وجوب إعادة النظر بالنموذج المتبع بما في ذلك السياسات التنموية (البنك
الدولي) وانظمة التوزيع التي تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة
اللامساواة (صندوق النقد الدولي). وهذا ما دفع باصحاب القرار الى التنبه لهذه
الحقيقة، مع ما قد يستتبع ذلك من تأثير مباشر على العدالة والمساواة في المجتمعات
وهو ينعكس بالتالي على التنمية والاستقرار والأمن وعلى النمو الاقتصادي.
كما نشرت دراسات
من قام بها خبراء ومؤسسات أبحاث حملت الكثير من النقد اللاذع لطبيعة النظام الذي
بات يقوم على الرأسمال المالي والمضاربات المالية والنقدية المقيّدة للتجارة وآليات
اقتصاد السوق لا بل التي تشوهه. فجوزف ستغلتز، على سبيل المثال، وجه نقداً لاذعاً
لنظام «الريع الاقتصادي»، كونه قوّض أسس السوق والرأسمالية عموماً[3]. ويقول توماس بيكيتي ان اللامساواة لم تأت صدفة، وانما هي خاصية
ملازمة للرأسمالية، ويمكن ازالتها فقط عبر تدخل الدولة. ويجادل بأنه اذا لم يتم
اصلاح الرأسمالية فان النظام الديمقراطي برمته سيكون مهدداً.
كما أعدت منظمات دولية كثيرة مثل "اوكسفام" و"مركز
الجنوب" في جنيف و"شبكة العالم الثالث" في ماليزيا و"مجموعة
التفكير المدنية حول التنمية المستدامة" و"مؤسسة فريديريش ايبيرت" والكثيرين
غيرها، تقارير تتحدث فيها عن مخاطر التطور في النظام العالمي الراهن والذي أدّى
الى تنامي اللامساوة. وهي تؤكد على مخاطر انتشارها على الامن والاستقرار العالمي بين
الدول وفي الدول نفسها وعلى الاستدامة البيئية.
وقد صدرت مؤخراً دراسة عن "المؤسسة الاوروبية التقدمية
للدراسات" بعنوان: "اليسار الجديد، اتفاقية اجتماعية جديدة من اجل حركة
للمستقبل"، قدم لها رئيس وزراء النمسا السابق (والذي ينتمي الى الحزب
الاجتماعي الديمقراطي) تتحدث عن ضرورة اعادة النظر بالسياسات الليبرالية التي طبقت
منذ الثمانينات والتي قلّصت دور الدولة والانفاق الاجتماعي لصالح آليات السوق من
دون التمسك بمعايير حقوق الانسان لاسيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقد أدى ذلك
الى غياب العدالة وتفاقم اللامساواة نتيجة البطالة والتهميش الاجتماعي والتمييز وزيادة
معدلات الفقر.
تتخذ الفوارق الاجتماعية في لبنان اشكالاً مختلفة وتتراوح من اللامساواة
على المستوى الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي والجنسي (النوعي) بما في ذلك الطائفي.
وتلعب النزاعات المسلحة في الدول المجاورة وتداعياتها على الداخل اللبناني من توتر
سياسي وتغيّر ديمغرافي وتداعيات اقتصادية اجتماعية وضغط على الخدمات العامة، وتنامي
ظاهرة العنف والتوتر الامني دوراً في تفاقمها. ومن العوامل الاساسية التي زادت من
حدّة التفاوت الاجتماعي هي السياسات التي تطبّق لاسيما المالية منها والاقتصادية، هذا
من جهة، وضعف دور الدولة نتيجة تفشي ظاهرة المحسوبيات (Crony) وتفشي
الفساد السياسي والهيكلي من جهة ثانية. أما فارتباط المال بالسلطة، ورغم انها هي ظاهرة
عالمية ولا تعتبر بالتالي ذات خصوصية لبنانية، إلا انها باتت من المسبببات
الاساسية لحماية الفساد واستخدام النفوذ من أجل تراكم الثروات وتمركزها. أما التكلفة
الاقتصادية والاجتماعية لغياب العدالة الاجتماعية فمرتفعة جداً كونها تعيق الجهود
التنموية وتتسبب في الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
كما يكرّس نظام المحاصصة في لبنان (والذي يسميه البعض جزافاً بالشراكة
الوطنية) الولاءات للزعيم الذي تتوفر له القدرة والامكانية لتقديم الخدمات
الحياتية مباشرة أو عبر المؤسسات التابعة، التي تمول فعلياً من موازنة الدولة
اللبنانية. إن هذه الولاءات تقلص امكانية الاعتراض الا في حالات قليلة، فحيناً تتقدم
الولاءات السياسية على الولاء للزعيم وأحيانا أخرى تتمسك فئات في المجتمع اللبناني
بأهمية الكرامة الانسانية وتعمل وفق مبادئ وقيم بعيدة عن الولاء المذهبي او
المناطقي[4].
وتنتج[5]
الفوارق الاجتماعية عن السياسات المولدة للامساواة وعلى رأسها التحولات البنيوية
في الاقتصاد. وقد ساهمت بتهميش القطاعات الانتاجية المولدة لفرص عمل والتي تساهم
في تعزيز الدخل. وقد اتجهت السياسات الاقتصادية في لبنان نحو تعزيز الريع العقاري
والمالي وخفض الضرائب والرسوم لتشجيع الاستثمار. وبحسب منظمة اوكسفام فان مستوى غياب
العدالة وتفاقم اللامساوة في لبنان يعتبر من بين اكثر درجات التفاوت في العالم.
وهي تعتمد على قياس اداء القطاع العام من خلال ثلاثة مؤشرات: 1) الانفاق
الاجتماعي، 2) النظام الضريبي، و3) حقوق العمّال. والمقصود بالانفاق الاجتماعي هو الانفاق على
الخدمات العامّة، وتحديداً التعليم والصّحة والحماية الاجتماعيّة. أمّا بالنسبة
إلى مكوِّن الضرائب، فالمقصود به هو مدى فعاليّة الضرائب التصاعدية وإعادة توزيع
الموارد على المُجتمع، أما عامل حقوق العمّال فيظهر في إعطاء أُجور أعلى للعمّال
العاديّين وحقوق أوسع للعمّال عموماً والنساء منھم خصوصاً.
نظرة سريعة الى هذه المؤشرات تعطي فكرة اوضح حول واقع العدالة
الاجتماعية في لبنان:
-
الإنفاق الإجتماعي
يتبين أن مجمل نفقات الدولة اللبنانية تتوزّع منذ عشر سنوات على خدمة الدين العام بنسبة 33%، ورواتب وأجور بنسبة 34%، ونفقات جارية بنسبة 21% ونفقات استثمارية 4% و8% تحويلات إلى كهرباء لبنان. أما الانفاق الاجتماعي فيندرج في خانة النفقات الجارية لجهة التعليم والصحة. أما لجهة الحماية الاجتماعية فلا تندرج في جدول النفقات ولا في برامج المسؤولين.
يتبين أن مجمل نفقات الدولة اللبنانية تتوزّع منذ عشر سنوات على خدمة الدين العام بنسبة 33%، ورواتب وأجور بنسبة 34%، ونفقات جارية بنسبة 21% ونفقات استثمارية 4% و8% تحويلات إلى كهرباء لبنان. أما الانفاق الاجتماعي فيندرج في خانة النفقات الجارية لجهة التعليم والصحة. أما لجهة الحماية الاجتماعية فلا تندرج في جدول النفقات ولا في برامج المسؤولين.
-
النظام الضريبي[6]
تتركز الإيرادات عبر الضرائب (17% من الواردات العامة هي واردات ضريبية- عبدو) والرسوم من دون الأخذ بالاعتبار أن غالبية الضرائب المفروضة على المواطنين تسهم في إبراز التفاوت المعيشي بين الطبقات الاجتماعية وتعمّق الهوة بين الأغنياء والفقراء. وجاءت سلة الضرائب التي فرضتها الدولة أخيراً لتثبت عدم عدالة النظام الضريبي، كون غالبيتها غير مباشرة (تشكل الضريبة على القيمة المضافة 70%)، أي أنها موجّهة إلى المواطنين بالتساوي بصرف النظر عن مستوى المداخيل. بالتالي، فإنها ستسهم حتماً بتوسيع هامش الفقر في لبنان وترسيخ "اللامساواة" الاجتماعية.
تتركز الإيرادات عبر الضرائب (17% من الواردات العامة هي واردات ضريبية- عبدو) والرسوم من دون الأخذ بالاعتبار أن غالبية الضرائب المفروضة على المواطنين تسهم في إبراز التفاوت المعيشي بين الطبقات الاجتماعية وتعمّق الهوة بين الأغنياء والفقراء. وجاءت سلة الضرائب التي فرضتها الدولة أخيراً لتثبت عدم عدالة النظام الضريبي، كون غالبيتها غير مباشرة (تشكل الضريبة على القيمة المضافة 70%)، أي أنها موجّهة إلى المواطنين بالتساوي بصرف النظر عن مستوى المداخيل. بالتالي، فإنها ستسهم حتماً بتوسيع هامش الفقر في لبنان وترسيخ "اللامساواة" الاجتماعية.
- حقوق العمّال[7]
من خلال عرض بعض الأرقام يمكن أن نستنتج مدى التفات الدولة إلى حق العامل وعدم حمايته من المؤسسات وأرباب العمل. ففي لبنان يُقدّر حجم العمالة غير المنظمة بنحو 52% من مجمل العمال بمعني أن 52% من عمال لبنان غير معترف بهم رسمياً وحقوقهم غير مصانة ولا يتمتعون بأي حق من حقوق العمالة كالطبابة والتعليم والتعويضات وغيرها. كما وأن 10% من الأطفال يعملون (لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة)، وتتقاضى النساء رواتب تقل عن زملائهن في العمل من الرجال الذين يمارسون الوظائف نفسها، ويُصرف مئات الموظفين سنوياً من وظائفهم دون أن تحرك الدولة ساكناً. كل ذلك يسهم حتماً في ترسيخ اللامساواة في لبنان.
من خلال عرض بعض الأرقام يمكن أن نستنتج مدى التفات الدولة إلى حق العامل وعدم حمايته من المؤسسات وأرباب العمل. ففي لبنان يُقدّر حجم العمالة غير المنظمة بنحو 52% من مجمل العمال بمعني أن 52% من عمال لبنان غير معترف بهم رسمياً وحقوقهم غير مصانة ولا يتمتعون بأي حق من حقوق العمالة كالطبابة والتعليم والتعويضات وغيرها. كما وأن 10% من الأطفال يعملون (لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة)، وتتقاضى النساء رواتب تقل عن زملائهن في العمل من الرجال الذين يمارسون الوظائف نفسها، ويُصرف مئات الموظفين سنوياً من وظائفهم دون أن تحرك الدولة ساكناً. كل ذلك يسهم حتماً في ترسيخ اللامساواة في لبنان.
بالنتيجة،
فإن بلوغ لبنان مرتبة متدنية في "مؤشّر الإلتزام بخفض اللامساواة"
يُعد خلاصة طبيعية لبلد تتجاوز فيه نسبة الطبقة الفقيرة 30%، ويستحوذ فيه 5% من
مواطنيه على 95% من الثروات.
|
ولنستكمل الاوجه الاخرى لللامساواة في لبنان:
- التفاوت في توزيع الثراوات
يتبين بانه من أصل 160 مليار دولار
التي تشكل مجموع ودائع الزبائن في المصارف اللبنانية، هنالك 20 مليار دولار تعود لحوالى
150 زبون فقط، موزعين على نحو 300 حساب مصرفي. وهو ما يؤشر بوضوح الى واقع توزع
الثروات في لبنان وتمركزها[8].
- التفاوت في قطاع الزراعة
إن 0.3% من اللبنانيين يستحوذون على 48%
من الثروة المقدَّرة بنحو 91 مليار دولار، علماً أن 0.05% يستحوذون وحدهم على ثلث
هذه الثروة، وهؤلاء لا يسددون إلا القليل القليل من الضرائب على ريوعهم وأرباحهم
الخيالية. وبحسب المعطيات التي توفرها تقارير الامم المتحدة فان 30% من الأُسر
اللبنانية يعيشون باقل من 4 دولار باليوم، وهو معدل الفقر[9]
و68% من مالكي الاراضي تقل مساحات ملكيتهم
عن 10 دونمات ويستغلون 18% من إجمالي المساحة المزروعة، بينما 26% من المالكين تقل
ملكيتهم عن 40 دونم ويستغلون 41% من إجمالي المساحة المزروعة، أما الـ4% من المالكين
يستغلون اراضي تتراوح ما بين 40 إلى 100 دونم تمثل 18% من المساحة الزراعية، وأخيرا
2% فقط من المالكين تزيد مساحات ملكياتهم عن 100 دونم وتمثل 33% من إجمالي المساحة
المزروعة[10].
- التفاوت في النوع الاجتماع
تراجع لبنان عالميّاً أربع مراتب، من
المرتبة ١١٨ في العام ٢٠١١ (مؤشر: 0,6083) الى المرتبة ١٢٢(مؤشر: 0,6030) في العام
٢٠١٢. وسبب هذا التراجع المذكور هو عدم المساواة القائمة على النوع الإجتماعي بين
النساء والرجال لجهّة مستوى الأجور وضعف المشاركة السياسية للنساء[11].
وتحتل
المرأة 3 مقاعد نيابية من اصل 128 مقعدا (أي 2.3%) كما أن نسبة تمثيل الامرأة في المجالس
البدلية خجول جدا ايضا وهي 6.9% عام 2016. وفي انتخابات 2016 انخفض عدد المرشحات بنسبة
12% عن العام 2010 علما ان المرأة تشكل 50.8% من قوائم الناخبين
إن هذا النمط من الاقتصاد يهمش قطاعات الانتاج (صناعة، زراعة،
صناعة غذائية، وغيرها) التي من شأنها أن تخلق فرص عمل، إذ أن عائدات الريوع تعود
إلى من يستثمر بها حصرا، ما يؤدي إلى اتساع قاعدة البطالة والهجرة. كذلك، تتركز في
هذا النظام سلسلة من الإمتيازات الموزعة على الزعماء و"محاسيبهم"، ما
يعزز الاحتكارات التي ترفع من نسب التضخم وتترك آثارها العميقة في المجتمع، خصوصا
من ناحية رفع معدلات الفقر والعوز وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
وتجدر الاشارة الى أن الانفتاح الاقتصادي غير المدروس لاسيما
خفض التعرفة الجمركية حتى قبل إطلاق مفاوضات الانضمام الى منظمة التجارة العالمية
وتوقيع اتفاقيات خاصة مع الاتحاد الاوروبي ساهمت في تسريع التحولات البنيوية في
الاقتصاد وأدت الى تعريض بعض القطاعات للمنافسة غير العادلة لاسيما من السلع التي
تاتي من الصين والدول الاسيوية (الملبوسات والنسيج والاحذية) والسلع الزراعية
نتيجة التدابير غير التعرفية (استيفاءها للمواصفات)، وعدم غلغاء الوكالات الحصرية
ما أدى الى تراجع الانتاج وخسارة فرص العمل وتحول الرساميل الى الوساطة التجارية والمضاربة
المالية والعقارية.
أما التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد الوطني وتحديد الاهداف تساعد
على اعتماد سياسات ضريبية وتعرفية لحماية بعض المنتجات والسلع وتوجيه الاستثمارات
نحو قطاعات لها قيمة مضافة وقدرة تنافسية، هذا علما بان كلفة الانتاج تأتي من
ارتفاع أسعار الخدمات كالطاقة والنقل والاتصالات واسعار العقارات وليست وحدها
الاجور ونفقات الحماية الاجتماعية او الضرائب هي التي تتسبب في رفع تكلفة الانتاج.
إن غياب هذه التوجهات يؤدي باللبنانيين الى الهجرة، وهي نزيف
للكفاءات والادمغة. ولا تعوض من خسائرها التحويلات كونها لا تضيف الى الاقتصاد
الوطني الا ودائع مصرفية وانفاق استهلاكي وفي أحسن الاحوال ما يشبه شبكة الامان الاجتماعي
غير المستقرة.
وما يبرر هذه الصورة الكاحلة هو سيطرة الفكر الاقتصادي النيو
ليبرالي والذي يتوجه نحو خلق بيئة ملائمة للاستثمارات وتوفير مداخيل لتسديد
الدين العام ولو على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وعلى حساب
الاستثمارات العامة والقطاعات المنتجة. ويعتمد على السياسات التقشفية من اجل خفض
العجز.
|
ثالثا:
متطلبات تحقيق التنمية المستدامة
يعتقد
المفكرون المعاصرون ان هناك رابطاً بين نجاح العملية التنموية والمشاركة السياسية
والتطور الثقافي. أي بعبارات أكثر دقة، ينطلق هؤلاء من تعريف التنمية بانها
"الحرية" (امارتيا سن) للتأكيد على أهمية الارتكاز الى مفهوم المواطنة
العصري أي الى "العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين المجتمع والدولة من
جهة وبين مختلف مكونات المجتمع نفسه من جهة ثانية والتي تقوم على قواعد متينة من
الحقوق والواجبات". والمسؤولية مشتركة بين الدولة التي تلتزم بتوفير
الخدمات الاساسية وتضمن حصول كل مواطن عليها، ومسؤولية المواطن باحترام القوانين.
كما
تطورت مؤشرات قياس التنمية من مجرد الاعتماد على بعض المؤشرات الاقتصادية التي تقتصر
على قياس الدخل وبعض المؤشرات الكمية الاخرى لقياس التطور في مجالي الصحة والتعليم،
نحو اعتماد مصفوفات اكثر تعقيداً تتضمن قياس نوعية الحياة ومستوى الرفاه والتقدم وتقييم
نسبة اشباع الاحتياجات الاساسية و"قدرة الانسان على عيش حياة صحية ولائقة.
وعلى أساس مفهوم التنمية الذي يعني الحرية، يقترح هذا النهج الاعتماد على مؤشرات
موضوعية مثل الدخل، وفرص العمل، والصحة، والتعليم، جنباً إلى جنب مع مؤشرات أخرى
مثل إعلاء صوت الأفراد وقدرتهم على التغيير والتمتع بالسعادة. وتشكّل العدالة حيال
حياة الأجيال المقبلة، التي تتمثل في مفهوم الإنصاف بين الأجيال، عنصراً هاماً من
عناصر العدالة الاجتماعية" (من تقرير الاسكوا – 2012). إذاً يذهب هذا
التوجه بعيدا متخطياً مجرد الاعتماد على قياس النمو وربطه بالتنمية نحو تحليل
نوعية هذا النمو وعوامل تحققه ومن ثم آليات توزيع عائداته بما يضمن اكبر قدر من
العدالة.
فنحن
الان أمام نظرية تؤكد على أن الانسان هو محور التنمية أي أنه صانعها وهو المستفيد
من عائداتها. وبالتالي يتأسس المفهوم الحديث على الربط بين العدالة الاجتماعية
والتنمية لتعزيز التماسك الاجتماعي. ويعيد تعريف النمو المستدام بضرورة إشراك كافة
فئات المجتمع في وضع الاسس للبناء المجتمعي، والتوزيع العادل للدخل وللفرص،
والاستثمار في التعليم والصحة، وتوفير فرص للتعبير والمساءلة الاجتماعية والتقدم نحو
الأفضل.
ومن نافل القول بان تحقيق التنمية المستدامة والعدالة
الاجتماعية يتطلب أولا مقاربة تنموية شاملة تأخذ بالاعتبار "المحددات الخمسة
الاساسية للتنمية: السياسية والاقتصادية والاجتاعية والثقافية والبيئية" (اعلان
الامم المتحدة حول التنمية المستدامة 2015) بتكاملها وعلاقاتها فيما بينها. وترتكز
الرؤية الوطنية الى المقاربة الحقوقية التي تعتبر ان الانسان هو محور التنمية
وتوفير الحقوق واجب ومسؤولية، بما في ذلك المشاركة السياسية. وتلعب الدولة
بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والادارية دوراً محورياً في العملية
التنموية على أن تقوم هذه المؤسسات على مبادئ الشفافية والنزاهة.
وأخيرا فان
التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية تتطلبان اعتماد اقتصاد بديل يجب أن يحقّق
الحل لكل هذه التشوهات. يقوم الاقتصاد البديل على مبدأ الانتقال من الاقتصاد
الريعي الى الإنتاج، وهو الأمر الذي يفترض اطلاق حوار اجتماعي بين مختلف مكونات
المجتمع، اي مختلف مكونات القطاع الخاص والاعمال والنقابات العمالية والمهنية
والاجراء والموظفين في القطاعين العام والخاص وخبراء. من شان هذا الحوار الاتفاق
على الامور التالية:
·
تحديد القطاعات
الاستراتيجية المنتجة ذات القيمة المضافة والتي تولد فرص عمل وقابلة للمنافسة
والاستدامة، على هذا التوجه ان يحل مشكلة البطالة، ويستوعب النمو السكاني من حيث
دخول أعداد متزايدة الى سوق العمل سنويا.
·
إعادة النظر بآليات
اعداد قانون الموازنةالعامة حيث ان التركيز يجب ان يكون على الاستراتيجيات الوطنية
للنهوض بالقطاعات المنتجة واعادة توزيع العائدات من خلال سياسات الحماية
الاجتماعية، كما بات العديد من الدول يعتمدون على الموازنة التشاركية حيث يؤخذ
بعين الاعتبار مصالح الفئات الاجتماعية كالعمال (الشركاء في الانتاج) والنساء وذوي
الاحتياجات الاضافية الخ.
·
معالجة العجز في الميزان
التجاري، من خلال تعزيز الانتاج المحلي وتقليص الاستيراد.
·
اعتماد اليات للتوزيع من
خلال ثلاثة آليات اساسية: السياسة الضريبية، سياسة الحماية الاجتماعية وسياسة الاجور
عادلة التي توفر مقومات العيش اللائق للمواطنين
·
اعادة النظر بالاعفاءات
الضريبية التي تطال المستثمرين وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الانتاجية
·
معالجة ازمة الديون من
خلال اعتماد سياسات استثمارية موجهة
·
محاربة الفساد والهدر
الناتج عن التهرب الضريبي، وتعزيز استقلالية القضاء
·
اعتماد الشفافية الكاملة
في المناقصات العمومية وادارة المرافق العامة وفي مختلف القطاعات لاسيما في مجال
النفط والغاز، والاتصالات ومعالجة النفايات الصلبة
·
معالجة موضوع الكهرباء
بشكل جذري واللجوء الى الطاقة النظيفة والمتجددة
·
اعتماد سياسة وطنية
للنقل تعزز وسائل النقل المشترك وتخفف الضغط عن الطرقات
لقد تعهدت الحكومة
اللبنانية بالمشاركة في "المراجعة الطوعية للتنمية المستدامة" حيث تتقدم
بتقرير أمام "المنتدى السياسي رفيع المستوى" في مقر الامم المتحدة في نيويورك.
فتعرض لواقع التنمية المستدامة والخطط الوطنية الموضوعة لمواجهة تحدياتها. ولتحقيق
ذلك، وقعت رئاسة الحكومة بروتوكولا مع برنامج الامم المتحدة الانمائي في لبنان للتعاون
ولتشكيل فريق من الخبراء في مكتب رئاسة الحكومة. أطلق الفريق دراسة حول
"تحليل الفجوات" في محاولة لتشخيص اللامساواة بين المناطق والقطاعات
والفئات الاجتماعية بشكل دقيق، كما أقر مبدأ تشكيل هيئة استشارية تمثل مختلف
القطاعات بما في ذلك المجتمع المدني. على أمل ان يتمكن هذا المسار من سبر أغوار
هذه التحديات والتقدم بالاقتراحات المناسبة من أجل ربط التنمية المستدامة بالعدالة
الاجتماعية في لبنان.
رابعا: الخاتمة
يمر لبنان بمرحلة مصيرية
تكاد أن تكون الاخطر منذ أن حصل على استقلاله، واذا شكل إعلان دولة لبنان الكبير قبل
حوالي المئة عام تحدياً في حينه كان عنوانه الاساسي البحث عن الصيغة التي تدعم
وجود الكيان الجديد الذي تأسس. فالصيغة التي أعلن عنها في اطار الميثاق الوطني قد جاءت
لتخلق كياناً مميزاً نشأ وسرعان ما تحوّل الى نموذج تتدارسه الدول، إلا أن الميثاق
الوطني أقرّ ليكون انتقالياً نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية، الدولة التي
يعيش فيها ابناؤها متساويين، سالمين آمنين.
للاسف هذه الصيغة التي أريد
لها أن تكون مرحلية، استمرت لتزيد من هشاشة الكيان الصغير وتعرضه للهزات التي أطلت
برأسها في العام 1958 ولكن اللبنانيون لم يتنبهوا لها وتعاملوا معها وكانها حدثاً
عابراً، الى أن جاءت الحرب الاهلية وما سبقها وما تلاها من أزمات وأعمال عنف.
اتفاق الطائف بدوره كان
انتقاليا، وقد حدّد آلية لالغاء الطائفية الساسية. إن عدم تطبيق اتفاق الطائف
بكامل بنوده، هي مسألة خطيرة يتعاطى معها اللبنانيون بخفة وكانها مسألة عابرة،
ولكننا نرى تداعياتها على النسيج الاجتماعي اليوم،
فهل سيكون عند
اللبنانيين وهم يقتربون من مئوية الاعلان عن دولة لبنان الكبير وبعد 74 سنة على أعلان
الاستقلال و28 سنة على اتفاق الطائف الوعي الكافي والجرأة المطلوبة والالتزام
الصادق بالعبور نحو الدولة المدنية العادلة التي ينعم فيها ابناؤها بالتنمية
والازدهار والعيش الهانئ والعدالة الاجتماعية المنشودة؟
[1]
اعلان خطة عمل التنمية المستدامة، "تحويل عالمنا: خطة التنية المستدامة 2030-
الامم المتحدة- نيويورك ايلول 2015
[2] راجع التقرير
الذي كتبه الدكتور محمد سعيد السعدي عن تداعيات السياسات النيولبرالية على العمل
غير المنظم في المنطقة العربية لصالح شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية http://www.annd.org/cd/arabwatch2016/pdf/arabic/5.pdf
[3] «الريعية
الاقتصادية» تعني أن يحقق رأس المال أرباحاً من المضاربة، كما هي الحال في أسواق
المال، أو من قطاعات غير منتجة، مثل حقوق الملكية الفكرية، بدلاً من أن تأتي
عائدات توظيف المال من مشاريع إنتاجية تساهم في «خلق ثروة» وتؤدي إلى توزيعها على
المشاركين في خلقها من العاملين.
أميركا: مطالبات بدور أكبر للحكومة في تصحيح الأوضاع الاقتصادية (جريدة الحياة الخميس، ١١ يونيو/ حزيران ٢٠١٥ – حسين عبد الحسين
[4] رشا ابو زكي- الفوارق الاجتماعية،
العدالة الاجتماعية في لبنان.. الواقع الكالح- من كتاب العدالة الاجتماعية مفهوم
وسياسات بعد الثورة (منتدى البدائل العربي وروزا لوكسبرغ- أيار 2017
[5] عزة الشيخ حسن، جريدة المدن؛ تموز
2017؛ عن تقرير لمنظمة اوكسفام حول "مؤشّر الإلتزام بخفض اللامساواة"
2017
[6] من
دراسة اعدها الباحث الاقتصادي نبيل عبدو لصالح شبكة المنظمات العربية غير
الحكومية؛ http://www.annd.org/arabic/itemId.php?itemId=490#sthash.KVGZvcCu.dpbs
[7] راجع الدراسة التي اعدها الباحث ربيع فخري عن
العمالة غير المنظمة في لبنان؛ http://www.annd.org/cd/arabwatch2016/pdf/arabic/14.pdf
[8] موقع ليبانيزكورا
- يناير 2017
[9] “credit Suisse” - 2015
[10] تقرير صادر عن
وزارة الزراعة ومنظمة الزراعة والاغذية - 2010
[11] التقرير الصادر عن
المنتدى الاقتصادي العالمي 2012
Comments
Post a Comment