المجتمع المدني في المناهج التربوية اللبنانية- التعليم الرسمي (مداخلة معدة لمركز الاصفري في الجامعة الاميركية في بيروت)
أ- قراءة سريعة في المناهج التربوية وما تتضمنه حول المجتمع المدني في المدرسة الرسمية (التربية المدنية- التعليم الاساسي السنوات السادسة والسابعة والثامنة)
· في تعريف مؤسسات المجتمع المدني يذكر المرجع (ص52- التعليم الاساسي-السنة
السابعة) انه يتكوّن من الاحزاب والنقابات (أصحاب المهن الواحدة والذين ينضوون
لتحسين ظروف عملهم) والجمعيات الخيرية التي تعمل من أجل التكافل بين
المواطنين،
في هذا التعريف فهمٌ ملتبس، فاعتبار الاحزاب السياسية
جزءً من المجتمع المدني هي مسألة غير محسومة لا بل معظم التعريفات التي تعتمدها
المنظمات الدولية والكثير من المؤسسات الاكاديمية لا تعتبر أن الاحزاب هي من
مكونات المجتمع المدني، فالاحزاب عملياً تسعى الى السلطة وهي عندما تصل الى السلطة
(التنفيذية او التشريعي) تنتقل عندها الى الموقع الآخر، حتى عندما تكون خارج
السلطةـ تسعى الأحزاب السياسية الى ممارسة السلطة على المكونات الأخرى للمجتمع
المدني.
أما المكوّن الثالث في التعريف فهو لا يقتصر على
الجمعيات الخيرية ولكنه يضمّ كذلك جمعيات المناصرة والمدافعة في مجال الدفاع عن
حقوق الانسان الجَماعية والفردية، منها من يتناول منظومة الحقوق بشكل عام ومنها من
يتناول الحقوق الفئوية (المرأة والطفل والمسنّين، اللاجئين، الاشخاص ذوي الاعاقة،
الخ) والفردية (الحقوق السياسية، التعذيب، الحقوق المدنية المدنية، الوصول الى
العدالة، الخ)
إن هذا المكوّن يلعبُ دوراً أساسياً في التأثير
بالسياسات العامة من خلال العمل المباشر مع صنّاع القرار على مستوى السلطتين
التنفيذية (السياسات العامة) والتشريعية (القوانين) الى جانب الاحزاب (التي في
السلطة او خارجها) والنقابات (ومنها من يتبع للاحزاب في السلطة او خارجها)
النقابات المهنية هي (اوردر Order، اي منظمة بقوانين لحماية
المهنة وتتكون عضويتها من اصحاب المهنة المرخص لهم بمزاولتها) ولكن النقابات
والاتحادات العمالية هي منظمات نوعياً مختلفة عن النقابات المهنية وهي عابرة للمهن
لأنها تتضمن قضايا عامة تخص العمال وعائلاتهم ولا تتعلّق بالمهنة بشكل مباشر
كالسياسات الضريبية على سبيل المثال وهم أيضا مهتمون بشؤون البيئة الخ. من هنا
يفترض أن يتطرق الحديث إلى التنظيم النقابي كأحد الحقوق التي يكفلها قانون العمل
حيث أن العاملين في القطاع العام لا يتمتعون به. موظفو المؤسسات العامة على سبيل
المثال والمعلمين في المدارس الرسمية يلجأون الى تشكيل روابط تلعب دور النقابات في
الدفاع عن مصالح الفئات المنضوية فيها ولكنها غير قانونية. في حين ان المعلمين في
المدارس الخاصة يتمتعون بحقهم في التنظيم النقابي
تذهب الاكايدميا ومنظمات الامم المتحدة الى توسيع مفهوم
المجتمع المدني ليشمل الاعلام والاكاديميا والمنظمات (الحركات) الجماهيرية مثل
الطلاب والشباب والنساء وذوي الاعاقة والسكان الاصليين (ظاهرة غير نشيطة في بلادنا
العربية)
· دور المواطن يحتاج الى بلورة من المقاربة ذاتها التي يعتمدها المنهاج بحيث
يرى أن "المواطنية" هي الحقوق والواجبات التي يترجمها العقد الاجتماعي،
وبالتالي فان المشاركة المواطنية هي حق (شرعة المواطن التي اقرتها وزارة التنمية
الادارية عام 2001) ولكن هي واجب ايضا. وهي بذلك أما تقوم بالأدوار التقليدية كدفع
الضرائب وحماية الوطن وأمّا تكون فاعلة فتلعب دوراً سياسياً وحقوقياً يساهم في
الدفاع عن حقوق المواطنين والفئات الضعيفة والمشاركة برسم السياسات العامة التي
تؤثر بحياة المواطنين.
المشاركة المواطنية تأخذ أشكالا مختلفة وتتم من خلال تشكيلات اجتماعية
مختلفة، فإما تكون من خلال العمل السياسي المباشر أي من خلال الانضمام الى حزب
سياسي، أو تكون من خلال العمل التطوعي في إحدى مؤسسات المجتمع المدني، وهنا أيضا
تختلف طبيعة المشاركة من التطوع في منظمات تقدم الخدمات أو منظمات تقوم بعمل
المدافعة والمناصرة من أجل الدفاع عن حقوق المواطنين أو التأثير بالسياسات العامة.
من المفيد في هذا السياق التوسع في تعليم حقوق الانسان، وربطها بالحديث عن
المواطنية، وربطهما بالمجتمع المدني، فهذه الابعاد الثلاثة تتكامل قيما بينها
وتترابط إذ لا يمكن للمواطنية ان تكتمل من دون التمتع بحقوق الانسان وبشكل شامل
وغير مجتزأ، ولا يمكن الدفاع عن حقوق الانسان من دون ان تتكون منظمات وأطر داخل
الفضاء المدني فاعلة وقادرة ومؤثرة،
· ما هو دور المجتمع المدني في الانتخابات؟ ورد في كتاب التربية المدنية ان
دوره هو التوعية والاعلام (حسب الكتاب)، ولكن لم يأت الكتاب على ذكر المشاركة في
التشريع لقانون انتخابي يضمن التمثيل العادل (عندما شكلت الحكومة لجنة بطرس لاقتراح
قانون انتخابات عام 2006 تضمنت في تشكيلها ثلاثة ممثلين عن المجتمع المدني)، ولكن
والأهم هو دور الرقابة على الأداء الانتخابي والذي يبدأ قبل الدعوة الى الانتخابات،
أي لدى البدء بإعداد لوائح الشطب ومن ثم
مراقبة أداء الجهات المولجة بالتنظيم والادارة: الجهة المنظمة (وزارة الداخلية)
والأجهزة الأمنية المولجة حماية المراكز والاعلام والهيئة المشرفة على الانتخابات
وتستمر المراقبة إثناء فرز الاوراق وحتى إعلان النتائج (هيئة الاشراف المسؤولة عن
مراقبة الاعلام والانفاق تضمّ في تشكيلها ممثلين عن المجتمع المدني)
· ماذا نتوقع من التطوع خاصة عند الشباب؟ تساؤل يطرحه كتاب التربية المدنية
وكأنه يربط التطوع بفئة عمرية واحدة ألا وهي الشباب. أولاً التطوع يطال مختلف الأعمار
وخاصة كبار السن وهذه مسألة بالغة الأهمية وتتعلّق بمفهوم المواطنية، والأمر يذهب أبعد
من مجرد رعاية المسنين من خلال تنشيطهم وتوفير الأماكن التي تقدّم لهم خدمات في
مجال الصحة أ أو النشاطات الترفيهية وغيرها. لا بل تعمل على تنظيم تطوع كبار السن
في مجال خبرتهم وتوجيههم نحو التشغيل المفيد والاستفادة من التجارب والخبرات
المكتنزة في المجتمع (وهذا يحدث حالياً في برامج الامم المتحدة وفي الجامعة
الاميركية)
أما بالنسبة لتطوع الشباب فالموضوع أبعد من مجرد تقديم
المساعدات (الصليب الاحمر والدفاع المدني والجمعيات الكشفية) ولكن أيضا في المنظمات
الحقوقية والسياسية، فلماذا يُنظر الى فئة الشباب كفئةٍ عمرية مؤجلٌ دورُها للمستقبل
في حين أن الاحداث أثبتت بأنها فاعلٌ سياسي ومؤثر (حراك طلعت ريحتكن 2015، ثورة
تشرين 2019). من هنا لا بد من إعادة النظر في سن الاقتراع (21 سنة) والانضمام الى
الجمعيات والاحزاب السياسية (20 سنة) من جهة، وإلى دور الروابط والاتحادات
الطلابية في الثانويات وفي الجامعات
· مفهوم حقوق الانسان، ماذا تعني المشاركة في الحياة العامة، أصلا ما هو مفهوم
الفضاء العام الذي تحتله منظمات المجتمع المدني والذي يقع بين القطاع الخاص من جهة
(والسوق) والسلطة من جهة ثانية، كيف يتم الدفاع عن حرية وديمقرطية هذا الفضاء
العام، وما هو دور المجتمع المدني وما هو دور الاحزاب لاسيما تلك المرتبطة بالسلطة؟
علماً بأن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني يرتبط باحزاب السلطة أو بأحزاب
المعارضة وهذا لا يعيب عليها شيئا، إلا أن الاشكال هو في الأدوات التي تلجأ اليها
خاصة اذا كانت مستمدة من ارتباطها في السلطة فتفرض هيمنة ما وتعطل الصراع
الديمقراطي. هذا التنوع في الفضاء يجعل منه حلبة صراع، وبقدر ما يحافظ الصراع على
الوسائل السلمية بقدر ما يتحول الى عامل تطوّر وتقدم أو يفقد الآليات الديمقراطية
للصراع والحوار فيتحوّل إلى عامل للإنقسام الإجتماعي ويؤدي أحياناً إلى نزاعات
مسلحة.
وبقدر ما تُحترم حقوق الانسان ومبادئ الديمقراطية بقدر
ما يتحول الفضاء العام الى صراع أفكار بين الاتجاهات الموالية للسلطة وتلك التي
توالي السوق والقطاع الخاص وبين الاتجاهات ذات الخيارات البديلة (أدت العولمة الى
تقارب خطير بين القوى المهيمنة على السلطة وقوى السوق من خلال ما يعرف بالمحاسيب
أو بـ"الزبائنية السياسية") وهذا يعزز الفساد ويضعف الشفافية ويحدّ من
دور الصراع الاجتماعي في الفضاء العام ويخفّف من تأثيره
· اما في مجال حماية الحقوق فان الامم المتحدة تعتبر أن المجتمع المدني أساسي
في ذلك من خلال قبول تقارير الظلّ في الآليات التعاقدية والتقارير الموازية في
المراجعات الدورية الشاملة التي تتقدم بها منظمات المجتمع المدني او من خلال جلسات
الاستماع التي تشارك فيها وإلزامية التشاور معها فيما يتعلق بالسياسات العامة وفي
تقارير المقررين الخاصين
ب-
ملاحظات عامة حول المناهج
لدى الحديث عن المجتمع المدني لا بد من التوقف عند المفاهيم
التي وضعتها منظمة الامم المتحدة منذ أواخر الثمانيات لاسيما في الدور التنموي
الذي يلعبه. فهذه الأخيرة تعتبره شريكاً في العملية التنموية وتفرد له مكاناً رحباً
في العمل على مواجهة التحديات، لا بل تعتبره القطاع الثالث بعد القطاع العام
والقطاع الخاص. لذلك أُفرد للمجتمع المدني حيزاً كبيراً خلال القمم العالمية التي
نظمتها في التسعينات (1992، الريو دي جينيرو حول البيئة والتنمية، 1993 فيينا،
حقوق الانسان، 1994 القاهرة، السكان والتنمية، 1995، كوبنهاجن التنمية الاجتماعية،
1995 استنبول، الموئل 1995 بكين، الندوة العالمية للمراة، قمة الالفية التي انبثقت
عنها اهداف الالفية عام 2001 وقمة ما بعد 2015 والتي انبثقت عنها اهداف التنمية
المستدامة
كما تعتمد الامم المتحدة نظام الصفة الاستشارية التي
تخول منظمات المجتمع المدني من المشاركة في كافة إجتماعات المجلس والاقتصادي ومجلس
حقوق الانسان، بما فيها طلب الكلام
ويلعب المجتمع المدني على المستوى الوطني دوراً في تحديد
التحديات ورسم السياسات العامة لمواجهتها، وفي مراقبة التنفيذ والمساءلة. اذا ليس
دوره تنفيذيا ومكملّاً للدولة فحسب لا بل يعتبر دوره اساسيا في اطار الشراكة
الكاملة
ففي خطة عمل 2030 (صدرت في العام 2015 عن الجمعية العامة
للامم المتحدة)، إعلان سياسي يتحدث عن الشراكات وليس فقط مع القطاع الخاص ولكن مع
المجتمع أيضاً، وفي الاطار التنفيذي للاعلان أي في الاهداف ال17 دور المجتمع اساسي
وبرز ذلك في آلية عمل المنتدى السياسي رفيع المستوى ومن خلال إعداد التقارير
الطوعية (هي تقارير وطنية وليست حكومية) كما ويشير الاعلان الى الدور الذي تلعبه
منظمات المجتمع المدني كشريك في رسم لسياسات العامة والمشاركة في تنفيذها ومراقبة
تنفيذها
هذا يطرح بعدا آخر لمفهوم المجتمع المدني وهو ما يرتبط
بالشراكات. فباضعاف دور الدولة عن توفير الرفاه والكرامة الانسانية للمواطنين، وعدم
ثقة المجتمع بالتزام القطاع الخاص بالمعايير الدولية كون يتوخى الربح، تأتي
الشراكة مع المجتمع المدني لتملأ هذه الفجوة بين دور الدولة المحدود واحتياجات
المجتمع المتزايدة وقصور القطاع الخاص عن توفيرها بشكل يسمح بالوصول اليها بشكل
عادل ومتساو بين المواطنين.
ت-
إذاً لا بدّ من التركيز على ست مسائل
في التعليم حول المجتمع المدني:
أولاً: برز مقهوم المجتمع المدني الحديث مع تطور المفهوم
التنموي اواخر الثمانينات حيث اعتبرت منظمة الامم المتحدة ان المجتمع المدني هو
شريك في العملية التنموية وقد سبق واشرت الى ذلك في الحديث عن تطور دور المجتمع
المدني مع تطور المفهوم التنموي بابعاده الخمسة: السياسي والاقتصادي والاجتماعي
والبيئي والثقافي. وقد اكد اعلان الجمعية العامة للامم المتحدة على الابعاد الخمسة
للتنمية وهي: الكوكب، الازدهار، السلام، الشعوب، الشراكة حيث يلعب المجتمع المدني
دورا محوريا في كل من هذه الابعاد الخمسة، عملا ان الشراكة هي البعد الذي يساهم في
تحقيق سائر الابعاد الاربعة وهنا يبرز اهمية المجتمع المدني كونه يدخل في صلب
العملية التنموية بما هي اساس في مواجهة اللامساواة والفجوات الاجتماعية وغياب
الامن والسلام
ثانيا: القوانين التي ترعى عمل المجتمع المدني والحقوق التي
يتمتع بها (حرية التأسيس وحرية العمل)
مرجعية
التشريع تعود الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقية الدولية حول الحقوق
المدنية والسياسية، والمبادئ التوجيهية لقوانين الجمعيات التي صدرت عن المبادرة
العربية للحق في التجمع وحقوق الجمعيات (1999).
أن الجمعيات
السياسية والخيرية تخضع في لبنان للقانون ذاته والذي يعود الى العام 1909 وهو
القانون العثماني وهو مستمد من القانون 1901 الفرنسي، وهو يعتمد مبدأ العلم والخبر
(حرية التاسيس وحرية العمل)
يمكن الحديث
عن القوانين التي تضمن الحقوق، كالحق في الوصول الى الموارد المالية والبشرية
والحق في الوصول الى المعلومات والحق في التعبير والحق في المعتقد
أما
الجمعيات الشبابيّة فهي تخضع لقانون مرجعيّته وزارة الشباب والرياضة وهو مقيّد
ويخضع للترخيص (ليس العلم والخبر) يعني أن حريّة التأسيس مقيّدة وبالتالي حريّة
العمل.
النقابات
العمالية خاضعة لقانون العمل وهي من الامتيازات التي يتمتع بها العمال عملاً
باتفاقيات منظمة العمل الدولية وهي من المبادئ الأساسية للحق في العمل اللائق
(الحق في العمل والحماية من مخاطر العمل، التنظيم والتمتع بالحماية الاجتماعية
(وليس التأمين الصحي كما يفسره البعض) والحق في الاجر العادل واستمرارية العقود،
الخ,)
يمكن العودة
الى المبادئ الأساسية التي تعتمدها المنظمات الدولية حول الأطر القانونية التي
ترعى عمل المجتمع المدني
ثالثا: الإلتباس بالمفاهيم والأدوار، بين المبالغة بالدور
والتأثير والتقليل من الأهمية
النظرة الى المجتمع
المدني كأداة لتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية للمواطنين هي نظرة مجتزأة، فبالاضافة
الى الدور التنموي وتفعيل المشاركة المجتمعية والانخراط في التخطيط وتنفيذ البرامج
التنموية، يلعب المجتمع المدني دورا كبيرا في الدفاع عن الحقوق والتصدي لانتهاكات
حقوق الانسان، وأيضا يلعب دوراً سياسياً من خلال المشاركة في رسم السياسات العامة
والتأثير بها
السؤال الذي
يطرحه البعض، ماذا يمثل ليكون له دور في رسم السياسات العامة، الجواب على ذلك هي
تحديدا ان القوة التمثيلية للمجتمع المدني تكمن في تمثيله مصالح فئوية في المجتمع
قد لا تكون ممثلة من خلال الاحزاب والتيارات السياسية. ان الامتدادات القاعدية
والفئوية لمنظمات المجتمع المدني تمكنها من التعبير عن مختلف الحساسيات والتطلعات
والتوجهات الموجودة في المجتمع
ان
الديمقراطية ليست فقط تمثيل الاكثرية والاقلية ولكن هي حماية حقوق الاقلية من
الاكثرية فكيف اذا كانت هذه الاقلية غير ممثلة في الاطر المؤساتية الرسمية؟ وهي
بالتالي لو كانت حكم الشعب فان مختلف فئات الشعب يحق لها ان تكون ممثلة من خلال
النقابات المهنية والعمالية والاحزاب خارج السلطة والمنظمات الحقوقية والدفاعية
رابعا: المقاربات
التأثير
بالسياسات العامة من خلال المدافعة والمناصر وحشد الدعم ورفع الوعي
لذلك لا
يفترض ان يقتصر تدريس المجتمع المدني على المهارات القيادية والادارية والفردية كالادارة
الداخلية والتخطيط الاستراتيجي وتجنيد التمويل (المناهج التربوية اللبنانية في
التعليم الرسمي تخطت ذلك)
هناك أهمية للتركيز
على المقاربة الحقوقية مع التأكيد على الحقوق الفئوية والقطاعيّة بما ينسجم مع المقاربات
التنموية اي ان تشمل المستويات الفئوية والقطاعية وعلى المستوى الجغرافي/المناطق
تطبيقا لمبدأ: "تحقيق تنمية لا تستثني أحدا"
أما بالنسبة
الى الاعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي، فمن الاهمية بمكان مواكبة التطورات
الخطيرة والمتسارعة التي تحصل على المستوى الرقمي بحيث أن المعلوماتية باتت تشكّل
فرص عمل للشباب من جهة وتساهم في البطالة لاسيما للفئات العمرية الاكبر من جهة
ثانية، ذلك في حال لم يتم تداركها. أصلا حتى فئة الشباب لا زالت تخضع لمناهج قاصرة
عن توفير المعرفة الكافية لمواكبة تطورات العصر. (يقول احد المؤرخين اننا بعد 30
عاما لن نتحدث عن البطالة ولكن عن عدم القدرة على العمل، تعبيرا عن دخول التكنولوجيا
الحديثة والاصطناعية في الحياة اليومية؛ نواح هراري: 21 درسا للقرن 21)
الذكاء
الاصطناعي يشكل تحدياً للاجيال القادمة (لن أتوسع فيه لان ذلك لا يعني المجتمع
المدني لا بل المجتمع ككل ويمكن ايجاد المراجع الكافية، علما ان المنتدى الاقتصادي
العالمي عام 2020، أفرد حيزا كبيرا لمناقشة هذا الموضوع)
خامسا: المشاركة المدنية كأداة لتحقيق المواطنية
هي بمفهوم "العقد
الاجتماعي" حق وواجب في آن، وهو الاساس في تحقيق المواطنية الكاملة والضمان
للمشاركة الفاعلة
من الخطأ الفصل
بين المواطنية والمجتمع المدني لابل يجب الربط بين المفهومين بإحكام. فالمجتمع
المدني هو شكلٌ من أشكال المشاركة المواطنية الفاعلة والمؤثرة في المجتمع
لا تستقيم
المواطنية من دون احترام الحريّات العامة وفي دول هشة لا تحترم القانون والمؤسسات
(قد يكون لبنان نموذجا لانتهاك القوانين والمؤسسات) وبالتالي يعاني المجتمع المدني
من القدرة على التأثير في السياسات العامة حيث اليات صناعتها ليست ضمن المسارات
القليدية للدولة
سادسا: المراصد التي ينشئها المجتمع المدني
يعمل
المجتمع المدني من خلال مراصد لمراقبة الأداء الحكومي والقطاع الخاص بشكل عام، تقوم
برصد انتهاكات حقوق الانسان والسياسات العامة ومدى الالتزام تنفيذها، كما ترصد
النزاهة والفساد (وفق الاتفاقية الدولة لمحاربة الفساد- لبنان طرف فيها)
وقد طور
المجتمع المدني مؤشرات لقياس هذه الانتهاكات ويعمل على اصدر تقارير دورية (الامثلة
كثيرة: غربال حول الحق في المعلومات، الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية: مدركات
الفساد، الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخبات: الادار الانتخابي، الخ.)
كما يعمل
المجتمع الى مراقبة الانتهاكات بحق منظمات المجتمع المدني من خلال مرصد يراقب
المعايير التالية: الحق في التنظيم، الحق في العمل، الحق في الوصول الى الموارد،
الحق في الوصول الى المعلومات، الحق في التفاوض والتشار والمشاركة (القنوات
لمتوفرة)، الحق التظاهر والحق في التجمع، الحق في التعبير الخ.
ويراقب
المجتمع المدني القطاع الخاص، الشريك التنموي وفق التعريف الحديث للتنمية، من خلال
المعايير التي يقترحها اعلان المبادئ التوجيهية للاعمال وحقوق الانسان
وفي السياق
ذاته، تلعب النقابات، كاحد مكونات المجتمع المدني، دورا اساسيا في مراقبة السياسات
العامة التي تؤثر بحقوق الفئات المنضوية في عضويتها، وهي ايضا تمارس الية الحوار
الاجتماعي للتأثير بصنع السياسات العامة وتصويب مساراتها في مجال الحقوق والحماية
الاجتماعية والاجور وسائر المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية
ث- ملاحظات ختامية
في الختام أود
الاشارة إلى إن المجتمع المدني على المستوى الدولي يلعبُ دوراً كبيراً، فكما سبق وتمت
الاشارة الى اعتماد الصفة الاستشارية في الامم المتحدة والتي تعتبر بمثابة اعتماد
للمشاركة في كل اللقاءات الدولية ولكن أيضا نشأت شبكات دولية فيها مشاركات عربية
حول التنمية وقضايا المناخ والسياسات الاقتصادية والتجارية والمالية وحول العولمة
بالاضافة الى حقوق الانسان
وقد طورت
هذه الشبكات معايير لى المجتمع المدني ان يلتزم بها تعرف بمبادئ استنبول، وتتضمن
معايير ومبادئ حول الادارة الداخلية والحوكمة والشفافية واليات المساءلة
والمحاسبة، بالاضافة الى الالتزام بنعايير حقوق الانسان والمساواة لاسيما الجندرية
والالتزام بالمعايير البيئية والتنمية المستدامة.
بعض المواضيع
لا بد من التطرق اليها كالمواطنية والعولمة ودور المجتمع في مواجهة تحدياتها:
النزاعات المسلحة والحروب وبالتالي التأسيس لسلام عادل. تحقيق العدالة والمساواة
بعد ان تبين ان التحدي الاخطر هو التفاوت في امتلاك الثراوات وفي الوصول الموارد
والفرص، قضايا التنمية المستدامة والتدهور البيئي، وموضوع الفقر واللامساواة، الخ.
Comments
Post a Comment