ملاحظات حول تطبيق المادة 95 من الدستور (مقدمة الى منتدى التأثير المدني-ايلول 2019)

I-               تمهيد

الهدف من هذه الورقة هو التمهيد لإقتراح إنشاء "هيئة وطنية لإلغاء الطائفية" عملا بالمادة 95 من الدستور. وكان من المقرر أن تُعرض وتناقش في جلسة يُنظمها منتدى التأثير المدني ويُشارك فيها خبراء وناشطون في المجتمع المدني. وكان موعد الجلسة قد حُدّد بتاريخ 23 أوكتوبر، أي بعد أقل من أسبوع من إنطلاق ثورة 17 تشرين فتم تأجيلها قسراً.

جاءت ثورة تشرين نتيجة تمادي طبقة المحاصصة المذهبية والحزبية في انتهاك الدستور بممارساتها اليومية[1]، ما أدى إلى انتهاك حقوق المواطنين وكراماتهم. وقد أدّى تنامي معدلات البطالة والفقر وإغلاق عددٍ كبير من المؤسسات الاقتصادية وتمركز غير مسبوق للثروات[2] إلى هذا الانفجار الاجتماعي. إلا أن القطاع المصرفي واجه أحد أخطر الأزمات الناتجة عن سوء إستخدام الودائع بحيث تمّ إستثمارها في سندات خزينة ويوروبوند أصدرها مصرف لبنان بمبالغ تفوق المعدلات المسموح بها دولياُ ولكن بفوائد مرتفعة جداً تصل الى 20% احياناً (وصلت إلى 30% خلال التسعينات). وبدروه تمادى المصرف المركزي في تمويل عجز الخزينة التي تفوق 30% وفي دعم وتثبيت سعر صرف الليرة اللبناينة. وأيضاً وبنتيجة هندسات مالية قام بها مصرف لبنان انتقلت أموال المودعين من المصرف المركزي إلى المصارف التجارية بمبالغ طائلة فاعتبرتها أرباحاً وقامت بتحويلها الى خارج لبنان، وهذا أدّى الى تبخرها.  

لبنان الآن يواجه أزمة بنيوية، ظاهرها اقتصادي ومالي، ولكن جوهرها سياسي بامتياز. فسببها الأساسي هو غياب الشفافية وآليات المساءلة والمحاسبة من جهة، والتمادي في سوء استخدام السلطة والتواطؤ بين الطبقة السياسية التي انبثقت عن اتفاق الطائف وتوالت على الحكم على مدى ثلاثة عقود وحاكم مصرف لبنان والمصارف التجارية. "وتظهر المعلومات أنه يوجد سيطرة قوية على مجالس إدارة المصارف، من ضمنها حصة الأفراد (15 من أصل 20 مصرفاً لديها مجالس إدارة مرتبطة بسياسيين). السيطرة السياسة على الحصص والسيطرة السياسية على مجالس الإدارات مرتبطة بقوة (متوقع). ولوحظ أنه يوجد علاقة قوية وبشكل ملحوظ بين السيطرة السياسية والقروض المتعثرة، بحيث ترتفع الأخيرة مع ازدياد السيطرة السياسية على المصرف[3] من جهة ثانية.

II-             مقدمة

ينطوي إتفاق الطائف على إيجابيات كثيرة على رأسها طي صفحة الحرب الأهلية وإطلاق مسار السلم الأهلي. وقد تحوّل إتفاق الطائف نفسه إلى دستور جديد للبلاد، كرّس النظام الطائفي في النصوص على أساس المناصفة (بين المسلمين والمسيحيين)، وأدخل أمراء الحرب إلى السلطة. قد تكون للنظام الطائفي جوانب إيجابية عديدة، من أبرزها على سبيل المثال الصيغة التي سمحت للتعددية بأن تستمر في ظل ظروف إقليمية ووطنية معقّدة، وصولاً إلى حد إعتبار لبنان "الرسالة" نتيجة لهذه الصيغة. ولكن له أيضا الكثير من الانعكاسات السلبية لاسيما على الواقع الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل، وهذا ما اثبتته تجربة المرحلة التي تلت اتفاق الطائف[4].

III-            أثر الطائفية الاقتصادي والاجتماعي

لعل الخلل الكبير الذي يحدثه النظام الطائفي هو تأثيره على معايير الإنتماء والمواطنة وعلى الهوية بذاتها. فبقدر ما تتعزز الإنتماءات الفرعية (المذهبية أو القبلية والعشائرية) بقدر ما تضعف معايير المواطنة، بحيث تتعزز الهوية الطائفية على حساب الانتماء الوطني والعكس صحيح. فتعزيز الاستقطاب الطائفي يدفع بالمواطنين إلى تحقيق مصالحهم وحمايتها، كما يدفع بهم إلى الإختيار بين الهوية الوطنية حيث تصبح الدولة ومؤسساتها هي الضامن لهذه المصالح والحقوق، أو الهويات الأخرى، حيث تصبح الإقطاعيات (الزعامات) السياسية والمؤسسات الطائفية (والدينية) هي التي تحميها. كما تستبدل الصيغة الطائفية دور مؤسسات الدولة فتتحوّل إلى وسيط بينها وبين الفرد وتنشأ علاقات رعوية بين الفرد والطائفة مما يضعف حس المواطنة.  بالأضافة، تحافظ وتعزز الطوائف دورها كوسيط من خلال تكريسها لخطاب طائفي. وتجدر الإشارة إلى أن تعزيز الهوية الوطنية لا يأتي على حساب التنوع ولا يلغي التعدد الثقافي ولكنه يعزّز آليات حماية التنوّع ويحصّنه ويساهم في تعزيز الأثر الإيجابي للتنوع والتخفيف من الأثر السلبي والانقسامات المذهبية والطائفية.

أما المواطنة فهي تجسيد للعلاقة بين المواطن والدولة (العقد الاجتماعي) التي تحكمُها مجموعةٌ من الحقوق والواجبات، وهي تنطلق أساساً من الحرية والمساواة. وبالتالي لا بدّ من إلغاء كافة أشكال التمييز على أساس عرقي أو ديني أو جنسي أو مناطقي لكي تتعزز المواطنة. فبقدر ما تميّز القوانين بين المواطنين بقدر ما يضعف الانتماء الوطني وتضعف بالتالي الهويّة الوطنية وتتعزّز الانتماءات الأخرى على حساب الهوية الجامعة، بينما الواقع في لبنان مختلف إذ يتأسس العقد الاجتماعي على قاعدة التوزيع الطائفي، فالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والتوزيع بشكل نسبي بين المذاهب هي الصيغة التي يتأسس عليها الكيان اللبناني.

وتعتبر المساءلة والمحاسبة من العوامل الأساسية للنجاح في الخيارات الاقتصادية والمالية والنقدية، إلا أن النظام الطائفي في لبنان وتقاسم المواقع السياسية والاقتصادية الحساسة يؤدي إلى تعطيل آليات المساءلة. إن استحواذ ممثلي الطوائف (أحزابا وتيارات وقوى سياسية) على المؤسسات الدستورية يضعف تطبيق مبدأ فصل السلطات وبالتالي يعطّل دور مجلس النواب الرقابي على السلطة التنفيذية وينتهك إستقلالية القضاء[5] ويعطل دوره في تطبيق وتفسير القوانين بشكل موضوعي ومستقل.

إقترح إتفاق الطائف اللامركزية الادارية كإحدى الوسائل الإصلاحية التي تساهم في تحقيق الانماء المتوازن بين المناطق والتخفيف من حدة المركزية التي أدّت إلى إنتقال نصف سكان لبنان للسكن في بيروت وجبل لبنان. وقد سعت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2005 إلى بلورة صيغة اللامركزية الإدارية من خلال إقتراح تنظيم جغرافي وإداري جديد. إلا أن عدم تحديد أهداف واضحة لاعتماد خيار النظام اللامركزي بشكل واضح يعمّق الخلاف على صيغته. فاللامركزية التي تهدف إلى تحقيق الإنماء المتوازن والتنمية المستدامة تتطلب توزيعا جغرافيا وتنظيماً إدارياً بصيغة تخدم الأهداف المرجوة، في حين تأتي اللامركزية التي تهدف إلى الفصل بين الطوائف والمذاهب وفي هذه الحالة يكون للتوزيع الجغرافي والإداري صيغا مختلفة. (وقد برزت بالفعل هذه النزعة في مراحل مختلفة تناولت على سبيل المثال اقتراحات حول توزيع الطاقة والجباية، كما برزت أخيراً في معرض الحديث عن ادارة النفايات الصلبة).

IV-           ما هي أدوات التمييز التي تقوّي الهويّات الفرعيىة في لبنان على حساب الهوية الوطنية الجامعة؟

في كتابه "مقدمة الدستور اللبناني" يؤكد المرجع الدستوري الدكتور أدمون الرباط[6] أن وثيقة الوفاق الوطني التي جاءت كمقدمة للدستور تتناقض مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان. إذ تنطلق الشرعة من المساواة بين البشر، في حين تميّز المقدمة بين المواطنين على أساس إنتماءاتهم الطائفية. أما النقاش الذي يدور حالياً حول تطبيق المادة 95 من الدستور حول الأسبقية لتشكيل الهيئة الوطنية أو لإلغاء الطائفية من الوظيفة العامة باستثناء الفئة الأولى من دون تخصيص أي منها للطوائف (رسالة الرئيس ميشال عون الى الرئيس نبيه بري: آب 2019)، إنما يؤكد على الخلل الذي باتت تشكلّه الطائفية على سير عمل الدولة ومؤسساتها وانعكاس ذلك على الخدمات العامة وحقوق المواطنين. ومن نافل القول أن التعطيل الذي شهدته مؤسسات الدولة خلال تطبيق إتفاق الطائف إنما يؤكد على الأثر السلبي للنظام الطائفي (الطائفية) عموماً وللطائفية السياسية بشكل خاص على آلية اتخاذ القرار في الدولة.

وتدعو المادة 95 من الدستور الى الاكتفاء بإلغاء الطائفية السياسية وعدم الذهاب نحو إلغاء الطائفية أي عدم إلغاء حقوق الطوائف لاسيما لجهة إنشاء مدارسها الخاصة (كما ورد في المادتين 9 و10 من الدستور) والمحافظة على قوانين الاحوال الشخصية. والحال أن إلغاء الطائفية يذهب أبعد من مجرد إلغائها من الوظيفة العامة بحيث أن العديد من الجوانب التي تميّز بين اللبنانيين وتحول دون مساواتهم أمام القانون تُضعِف من الانتماء الوطني على حساب الهويّة الطائفيّة التي تُضِعف بدورها المواطنة.

من بين هذه العوامل التي تساهم في التمييز بين اللبنانيين:

أولا قوانين الاحوال الشخصية: لا يتساوى اللبنانيون أمام القانون الخاص بالأحوال الشخصية والذي يميّز بينهم بحسب الانتماءات المذهبية، ويبلغ عدد المحاكم التي تطبق قوانين الأحوال الشخصية في لبنان 15 (12 منها للطوائف المسيحية و3 للطوائف الإسلامية). وتميز هذه القوانين بين المرأة والرجل وبحق الأطفال لاسيما في مسألة الحضانة والميراث.

ثانيا التمييز في الوظيفة العامة: الخلاف على تطبيق المادة 95 من الدستور يعكس التمييز في الوظيفة العامة، إذ أن مجرد اعتماد المناصفة يؤدي الى مظلومية شهدنا مؤخراً نماذج عنها (خلال العامين 2018 و2019)؛ تأجيل مراسيم تعيين السفراء وكتاب العدل مروراً بتعيين حراس الأحراج ومراقبي الطيران المدني ومتطوعي الدفاع المدني (رغم نجاحهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية) وترقية الضباط في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الخ.

ثالثا: في المجال الاقتصادي، فتحليل الأثر الإقتصادي للطائفية يذهب باتجاهين:

الإتجاه الاول هو كلفة الإقتصادات الموازية التي تشكّلها المؤسسات الدينية والزعامات السياسية/الطائفية على حساب الإقتصاد الكلّي، فبالاضافة إلى الإستخدام السياسي للموارد البشرية والمالية والطبيعية بما يخدم مصالحهم، ويعزز نفوذهم، تندرج التقديمات الاجتماعية الموازية والتي تعزز الزبائنية على حساب أنظمة الحماية الاجتماعية العامة (التأمين الصحي تحديدا)، إلا أن إلغاء الطائفية السياسية من خلال تطبيق المادة 95 لن يؤثر على الإقتصاد المذهبي الموازي وعلى الخدمات التي يوفرها للرعايا.

أما الاتجاه الثاني فهو الكلفة الاقتصادية للمحاصصة التي تأتي بممثلي الطوائف على حساب الكفاءة بما في ذلك احتكار القطاعات الاساسية التي تحول دون نمو قطاع خاص بشكله الطبيعي من خلال توزيع المنافع والخدمات والحصول على التسهيلات، وخير مثال على ذلك هو الجدل الطائفي الذي أثاره  مشروع القانون، الذي أقره مجلس الوزراء عام ٢٠٠٢ ولم  يصادق عليه البرلمان، و الذي يهدف إلى نزع الحماية القانونية عن الوكالات الحصرية.

وفي هذا السياق، يمكن ادراج بعض الأمثلة تسبب نظام المحاصصة المذهبية بتأخير تنفيذ سياسات قطاعية ما حمل الاقتصاد اللبناني خسائر طائلة أدت الى الازمة التي نعيشها الان:

-       قطاع الكهرباء حيث أجمعت الدراسات المتخصصة والموضوعية (بحكم كونها مستقلة) عن حاجة لبنان الى إنشاء محطة تغويز واحدة، كما أجمعوا على أن المكان الأنسب هو في منطقة دير عمار، إلا أن المحاصصة الطائفية دفعت بأصحاب القرار إلى توزيع المحطات على المناطق إرضاء لكل الطوائف، فتقرر إنشاء محطة ثانية في الزهراني ومحطة ثالثة في سلعاتا).

-       النفايات الصلبة (توزيع معامل معالجة النفايات الصلبة على المناطق وفق المحاصصة الطائفية، بحيث تكون لكل قوة امر واقع في هذه المنطقة الوصاية عليها.) وكذلك الامر بالنسبة للمطامر، فالقدرة الاستيعابية لمطمر برج حمود توازي قدرة الكوستا برافا، وحاليا يُطالب الدروز باعادة فتح مطمر الناعمة او ايجاد مطمر جديد في منطقة عاليه.

-       النفط والغاز: أما الطامة الكبرى فكانت في توزيع بلوكات النفط بحيث اختلف المسؤولون من أين يبدأ التنقيب؛ شمالاً أم جنوباً قبل أن يستقر الرأي على المنطقة الوسطى (أي البلوك الرابع)

هذا من دون الاشارة الى أن تشكيل "الهيئات الوطنية القطاعية" المولجة تنظيم عمل القطاعات الأساسية كالنفط والغاز، والكهرباء والاتصالات تعتمد المحاصصة المذهبية بدل الكفاءة المهنية وغالبا ما تؤجل تسميتهاحتى الاتفاق على الاسماء أو لا تسمى (كما حصل مع الهيئة الناظمة للكهرباء التي لم تتشكل حتى تاريخه رغم إقرار القانون منذ سنوات) ما تطيح بكفاءاتها.    

رابعا: أما فالاثر في المجال الثقافي فلا يقلّ خطورة بحيث أن توزيع المؤسسات التعليمية على المذاهب والطوائف (وهو من حقوق الطوائف التي أكدت عليها مقدمة الدستور والمادة 10 منه) يساهم في تعميق التفرقة على أساس الهوية المذهبية على حساب الوحدة الوطنية. وقد ساهم إضعاف المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية على حساب المؤسسات التعليمية المدرسية والجامعية الخاصة في إضعاف المواطنة (وهي بمعظمها تابعة للطوائف، أو مؤسسات ربحية موزعة على الطوائف).

V-             الصيغة اللبنانية، هل هي قادرة على الاستمرار؟

تنبه المؤسسون[7]، الذين شاركوا في وضع أسس الميثاق الوطني، على مخاطر الصيغة اللبنانية التي تقوم على مبدأ "العيش المشترك" والتي عكسوها في الدستور. فاعتبروها مرحلة انتقالية ودعوا إلى الخروج التدريجي منها باتجاه التأسيس لنظام مدني لاطائفي، (علماني: يعني فصل الدين عن الدولة، من دون إلغاء الاديان والطوائف). إلا أن التلكؤ في هذا المجال أدّى إلى إختلالات خطيرة في الصيغة التي تعرّضت لهزّات في محطات تاريخية مرّ بها لبنان، كان آخرُها ما نشهده اليوم من أزمة سياسية تعبّر عن وصول هذه الصيغة الى مستوى غير مسبوق من الانسداد.

إنطلاقا من هذا اليقين، إتفق المشاركون في إتفاق الطائف (1989) في الفقرة "ز" من وثيقة الوفاق الوطني (مقدمة الدستور) على إلغاء الطائفية السياسية لا بل خصصوا لذلك مادة في الدستور هي "المادة 95" والتي تدعو إلى إعتماد صيغة إنتقالية لإلغاء الطائفية السياسيّة، من خلال تعيين هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيسي البرلمان والحكومة وثلة من رجال السياسة والفكر والاكاديمية لاقتراح آلية لالغاء الطائفية السياسية.

كما يقترح الدستور أيضا قيام مجلس للشيوخ تتمثل فيه "العائلات الروحية" على أن يصبح التمثيل في البرلمان خارج القيد الطائفي. إلا أن المحاذير التي وضعت من جرّاء إلغاء الطائفية السياسية وعدم إلغاء الطائفية أدّت إلى تأجيل تطبيق المادة 95، كون البعض يخشى بأن إلغاء الطائفية السياسية لا يلغي الممارسات الطائفية للمواطنين ما قد يؤدي إلى هيمنة عددية لطوائف على الطوائف الاخرى ما يهدد الكيان وجودياً. (وهذا ما أكد عليه أدمون الرباط في كتابه "في مقدمة الدستور اللبناني"، وكتب عنه الكثير من بينهم الدكتور أحمد بيضون في ورقة نشرت في كتاب "خيارات للبنان")[8]

إلا أن ما تعرّض له الكيان اللبناني من إهتزازات خطيرة خلال الفترة التي تلت تطبيق إتفاق الطائف بسبب تعطيل آليات الدولة إنما يؤكد على الخلل الكامن في الصيغة نفسها. (صلاحيات الرئاسات ممثلي الطوائف والتفاوت في تفسير المادة 95 حول الوظيفة العامة وتطبيقها). ما يؤكد على أهمية إعادة الاعتبار إلى المادة 95 مع التوسع في تطبيقها ما يؤدي بالنهاية الى إلغاء النظام الطائفي تماما كما استشرف المؤسسون للصيغة (البيان الوزاري للرئيس رياض الصلح عام 1944 بالإتفاق مع الرئيس بشارة الخوري الذي تمنى على إلغاء الطائفية من النفوس ومن النصوص) وما بنى عليه المشاركون بصياغة اتفاق الطائف لاحقاً.

يقترح اتفاق الطائف مبادرات اصلاحية كثيرة لم يطبق القسم الأساسي منها، لعل أهمها إعتماد اللامركزية نظاماً إدارياً في لبنان بهدف تحقيق الإنماء المتوازن وهذا ما لم يتحقق حتى يومنا هذا. كما يقترح تسمية "هيئة وطنية تقترح آلية لإلغاء الطائفية السياسية" وهذا أيضا لم يتحقق. بالاضافة الى عدد من الخطوات التي تساهم في تكريس الاصلاح السياسي منها فصل السلطات وتعزيز استقلالية القضاء واعتماد قانون انتخابي يعزز ديمقراطية التمثيل الخ.



[1]ممارسات سلطة المحاصصة أدت الى تعطيل تشكيل الحكومات وانتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم اغلاق مجلس النواب واقرار قوانين انتخابات مخالفة للدستور، فضلا عن التمادي في المناقصات بالتراضي والمحاصصة الطائفي  

[2] تشير أرقام المصرف المركزي على إستحواذ إقل من 1% من المودعين على أكثر من 60% من الحسابات المصرفية وأكثر من 50% من الودائع في حين أن أكثر من مليون مواطن يملكون حسابات مصرفية أقل من 3000 دولار أميركي

[4]  إتفاق الطائف إستعادة نقدية، نواف سلام، دار النهار للنشر 2003

[5]  لقد اثبتت التشكيلات القضائية التي صدرت عن مجلس القضاء الاعلى في الخامس من آذار، حيث استندت الى معايير لاختيار القاضي المناسب في المكان المناسب من حيث الكفاءة، ولكن وزيرة العدل رأت ان تطبيق المعايير لم يكن متساويا وهي وجهت رسالة الى مجلس القضاء الاعلى لاعادة النظر بتطبيق المعايير

[6] مقدمة الدستور اللبناني، أدمون رباط، دار النهار للنشر 2004

[7] مقتطف من البيان الوزاري الأول بعد الاستقلال لحكومة رياض الصلح حول الطائفية:

"معالجة الطائفية والاقليمية

ومن أسس الإصلاح التي تقتضيها مصلحة لبنان العليا معالجة الطائفية والقضاء على مساوئها فإن هذه القاعدة تقيد التقدم الوطني من جهة وتشوّه سمعة لبنان من جهة أخرى فضلاً عن انها تسمم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة التي يتألف منها الشعب اللبناني. وقد شهدنا كيف أن الطائفية كانت في معظم الأحيان أداة لكفالة المنافع الخاصة كما كانت أداة لايهان الحياة الوطنية في لبنان ايهاناً يستفيد منه الأغيار. ونحن واثقون أنه متى غمر الشعب الشعور الوطني الذي يترعرع في ظل الاستقلال ونظام الحكم الشعبي يقبل بطمأنينة على الغاء النظام الطائفي المضعف للوطن.

إن الساعة التي يمكن فيها إلغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان. وسنسعى لكي تكون هذه الساعة قريبة بإذن الله. ومن الطبيعي أن تحقيق ذلك يحتاج إلى تمهيد واعداد في مختلف النواحي، وسنعمل جميعاً بالتعاون تمهيداً واعداداً حتى لا تبقى نفس إلا تطمئن كل الاطمئنان إلى تحقيق هذا الاصلاح القومي الخطير.

وما يقال في القاعدة الطائفية يقال مثله في القاعدة الاقليمية التي إذا اشتدت تجعل من الوطن الواحد أوطاناً متعددة."

[8] "خيارات للبنان" مجموعة مؤلفين، دار النهار للنشر، 2004


Comments

Popular posts from this blog

نحو تجديد نبض الثورة (رسالة راس السنة 2020)

صحيفة العرب القطرية - اقتصاد :: شبكة المنظمات العربية تسعى لتعزيز الشفافية

المنطقة العربية: تحديات تتعاظم وتجاوب القيادة الرسمية لا يرتقي الى المستوى